الاثنين، 25 أكتوبر 2010

مسلم الوليعي ـ من الأدب الشعبي


هذه القصة من الأدب الشعبي المتداول في بادية ينبع ، وهي تروى بطرق مختلفة ، وما زلت اذكر جدتي رحمة الله عليها عندما كانت تشير إلى جبل رضوى في أيام الصحو وتقول انظر هنالك ( شداد الوليعي ) وتشير إلى أعلى قمتين في الجبل ما زلت أراهما إلى اليوم وعند المساء استمع إليها وهي تروي هذه القصة




مسلّم الوليعي

من الأدب الشعبي الينبعي



خرج مسلّم سليم الوليعي من ديرتة يبحث عن لقمة العيش لا يمتلك سوى القليل من الطعام وبعض الماء وكان يسير بمحاذاة جبال رضوى حتى وصل إلى بئر يسمى ( بئر السلمية ) من جهة سيل ( بواط ) جلس بجانب البئر وأكل ما معه من طعام وملأ قربته من الماء ورحل متجها إلى ( العيص ) ولكنه ضل الطريق وغير اتجاهه حتى نفذ ما معه من ماء واشتد عليه العطش وسقط مغشيا عليه وكان الوقت عصراً حين عودة الرعاة ، فمرت بمكانه صبية ترعى أغنامها وشاهدته ملقى على الأرض ( وفمه ) يغوص بالتراب فلمسته بإبهام رجلها لتعرف إن كان يتحرك أم لا ثم قلبته على ظهره فوجدته معفرا بالتراب وأدركت أنه عطشان ، فأحضرت الماء ونفضت التراب عن وجهه بطرف شيلتها و سقته وعندما أفاق سألها من أين أنت وأين منازل أهلك فدلته عليها فذهب إلى والدها وتعرف عليه وأخبره أنه يبحث عن عمل دون أن يخبره بخبر ابنته فاتفق معه على أن يعمل عنده راعيا للإبل وتم له ذلك وكان خلال رعيه يلتقي هذه الفتاة التي انقذت حياته وهي ترعى غنمها ويتحدث معها حديثا عابرا ثم أصبحت ساعات اللقاء تطول حتى أنهما في بعض الأحيان ينامان في نفس المكان الذي يرعيان فيه إبلهما وغنمهما في جو من البراءة والنقاء فانشغل قلبه بها وعزم على أن يتزوجها ولكنه غير متيقن من حبها له أو موافقة أبيها وإخوانها عليه فهو مجرد راعي إبل ولم يمتلك الجرأة لمفاتحتها في الأمر فهداه تفكيره إلى إستشارة عجوز معروفة في تلك الناحية بدهائها وحكمتها ، فذهب إليها وعبر لها عن أحاسيسه تجاه هذه الفتاة ورغبته في الارتباط بها ولا يعرف إن كانت تبادله نفس الشعور أم لا ، فأشارت عليه العجوز أن تظاهر أمامها بالسقوط وارم نفسك في التراب حتى يتعفر وجهك ولا تتحرك حتى ترى ردة فعلها فأن رفعت برقعها ونفخت الغبار عن وجهك بفمها فإنها تحبك فاعرض عليها أمر الزواج وأنت مطمئن، وإن نفضت عنك الغبار بطرف شيلتها فليس لك نصيب فيها .
ففعل ما أشارت به العجوز فرفعت الفتاة برقعها ودنت منه ونفخت التراب عن وجهه وفمه فقام من لحظته وعرض عليها الزواج فوافقت ونشأت بينهما من تلك اللحظة علاقة حب شريفة تسامع بها فتيان الحي وبدؤوا يتناقلون أخبارها ويتابعون تفاصيلها ويزيدون عليها حتى وصلت إلى مسامع إخوتها الذين غضبوا وعزموا على وضع حد لها .. ولكن أباهم منعهم من القيام بأي تصرف حتى يتبين حقيقة الأمر
ثم أن أباها ذهب ذات ليلة وكأنه يريد أن يتفقد الإبل فوجد ابنته والراعي نائمين وقد وضعا بينهما حاجزا من التراب يفصلهما فأدرك أن نية الراعي سليمة فوقف فوق رأسيهما ونثر رماد الغليون بجانبهما وذهب ، ولما قاما ورْووا الرماد قالت الفتاة هذا رماد غليون أبي، وهو إشارة إلى رضاه عنا ولكني غير مطمئنة لموقف إخواني و سوف أجس نبضهم هذا اليوم عند ورود الإبل الماء ولكن قبل أن ترد البئر أغرس في فخذي كل ناقة شوكتين حتى لاتستطيع الركض ألا ناقة أجعلها في طرف القطيع كي تهرب بها إذا لاحظت على أخوتي الغضب وأنا استطيع أن أتبين غضب إخوتي فإذا سمعتني قلت

( ورّد البل يا مسلّم لا سلمت لامك )

.فسارع بالهرب
وعندما وردوا البئر وجدت إخوانها يرفعون صوتهم بالحداء ويقولون :

مسلم لو مسكناه                            قطعنا كف يمناه
خلينا الموت يبراه


فصرخت بأعلى صوتها ( ورد البل يا مسلم لا سلمت لأمك ) وما زالت تكررها حتى سمعها مسلم وهرب وعندما حاول أخوتها أن يلحقوا به لم يجدوا ناقة صالحة يمتطونها
ذهب مسلم إلى عشيرته وقضى ما يقارب الشهر يعاني لوعة الغرام وألم الفراق حتى نحل جسمه وبرت عظامه وهو يردد في كل حين
جابولي شـــــــربة قراح مـن المطـر قـدام ثانيـه
وكبيت شربة قراح وقلت انـا جيــــعـان ضامـي
وجـــابولي در البكار اللي مريض الكبـد  يبريـه
وكبيت در البكار وقلـت انـا جيــــــعـان ضامـي
وجابولي سكر نبات مجـــــمعا كـل الـدواء  فيـه
وكبيت سكر نبات وقلت انـا جيـــــعـان  ضامـي
وجابولي مال الشريف اللي هوى الفقري ويغنيه
وكبيت مال الشــــريف وقلت انا جيعـان ضامـي
قالوا بلاك الكبر قلت الكـــبر مااوحـي  مشاكيـه
ولو كان صــــــيدي كبر كـان عاقتنـي  عضامـي
قالوا بلاك الهـــــوى قلت الهوى جيتـم  محاريـه
لولا الهــــوى ماتعديت العـرب جيعـان  ضامـي

وعندما رآه أخوه سويلم الذي يكبره سنا على هذه الحال سأله عن خبره فروى له قصة الفتاة وما كان بينهما من عشق وغرام وما كان من رغبته في الزواج بها وغضب إخوانها عليه وطردهم له فأخذ سويلم يخفف عنه ويسليه ويطلب منه نسيان الأمر ، ثم أنه عرض عليه أن يصعدوا إلى قمة ( جبل رضوى ) حيث مراتع الغزلان والمناظر التي تساعد على النسيان فأجابه مسلم إلى ما طلب وقد بيت في نفسه أمرا وعندما وصلا قمة الجبل قال مسلم ما رأيك يا أخي في أن تمسكني من جديلتي وتجعلني أتدلى لأشرف على السفح وأشاهد الغزلان فإجابه سويلم إلى طلبه وعندما دلاه سارع مسلم بإخراج مدية كان يخفيها في جبته وجذ بها جدائله فتدحرج من الجبل وسقط ميتا
ثم أن سويلم رحل من ساعته ليبحث عن تلك الفتاة التي تسببت في مقتل أخيه فأخذ جدائله وعباته ووضعها على شداد ناقته ولم يزل سائرا حتى وقف على صبية ترعى الغنم وسألها عن أناس صفاتهم كذا فقالت والله لا أجيبك حتى تجيبني عن صاحب هذه العباة وهذه الجدائل أحي هو أم ميت فقال والذي سألتيني به أنه ميت ولم تكد تسمع الجواب حتى سقطت مغشيا عليها وماتت في الحال فأدرك حينها أنها الفتاة المقصودة وأنشد :

والله مـــاآلـــوم  الوليــعي ولو طاح     من راس رضوى والعوض به عباته
مير إذهنوا لـي عنـد هبـات الأريـاح    لا أزف عمـري ثـم اســـوي سـواتـه



فذهب قوله (والعوض به عباته) مثلا

ليست هناك تعليقات: