الاثنين، 25 أكتوبر 2010

الغريب ـ من الأدب الشعبي


الغريب ـ من الأدب الشعبي

هذا الغريب كان عزيزا في قومه فارسا مهابا ولكنه جلا عنهم اضطرارا بعد أن تورط بقتل  رجل  وخشي من مطاردته بالثأر فهام على وجهه متنكرا في أرض الله ما شاء الله له أن يهيم حتى قادته قدماه إلى ديار أحد شيوخ البادية  وكان لا يحمل من حطام الدنيا إلا جرابا أخفى فيه بندقيته التي قتل فيها صاحبه   ولكنه كان ضنينا بهذا الجراب لا يريد أن يطلع على ما يحويه أحد .

أقبل على الشيخ  وأظهر له شيئا من المسكنة والغباء والدروشة وكان لا يرد على من يسأله عن قبيلته أو ديرته أو ما يحمله في جرابه وإذا أجاب فإنما هي إجابات ساذجة توحي للسامع بأنه يعاني من العته أوالجنون حتى رق له قلب شيخ القبيلة وأخبر القوم بأنه في رعايته وأوصى بعدم التعرض له
سأله إن كان يجيد رعي الغنم أو الإبل فأفاد بالنفي وسأله إن كان يجيد صنع القهوة فأجاب بالنفي ولما أيقن ألا فائدة ترجى منه قال إذن سأجعله مرافقا لبناتي في رعي الغنم مسليا ومعاونا 

وكان لشيخ القبيلة ابنتان في غاية الحسن والجمال ترعيان الغنم  فلازمهما في رواحهما وغدوهما كل يوم ولاقى منهما ارتياحا كبيرا لعدم تدخله في أمورهما أو عدم فهمه لما يدور بينهما

وكان لهاتين البنتين صاحب من شباب القبيلة يتقابل معهما أثناء استراحتهما ويستعرض أمامهما بحصانه  ولبسه وحديثه عن بطولاته وفروسيته وكانت البنتان ترتاحان لهذا الشاب وتتشوقان لحديثه وتقضيان معه أوقات طويلة في مثل هذه الأحاديث التي تدور حول الشاب ومواقفه البطولية المشرفة   .. وكان الحديث لا يخلو أحيانا من التندر على هذا الغريب   أوالضحك على ما يقوله أو ما يفعله.

وكان لدى البنتين مخطر أنيق مزخرف ( إناء لشرب اللبن ) يشربان فيه و لا يسمحان لأحد أن يشرب فيه غيرهما إلا هذا الشاب فإنه إن أراد أن يشرب أخرجا ذلك المخطر وملآه له باللبن  أما عندما يريد الغريب أن يشرب فإنهما يصبان له في يديه

وذات مرة أخذت إحدى البنتين مروة ( حجر أبيض ) وقالت للغريب تريد أن تتندر عليه  ماذا تتمنى هذه المروة يا غريب ؟ قال : أتمناها زحلاقه آخذها من يد أمي !! (الزحلاقة قطعة من الزبد )

فاستغرق الجميع في الضحك على سذاجة تفكيره ثم قالت للشاب ماذا تتمنى هذه المروة ؟ قال : أتمناها غرة فرس تظهر من خلف ذاك الجبل
يقصد أنه يتمنى مجموعة فرسان يهجمون عليهم لكي يظهر للبنتين شجاعته وقدرته على دحرهم

ولكنه ما كاد يكمل كلامه حتى هجمت عليهم  ثلة من الفرسان وما كاد يراهم حتى دب الخوف في  قلبه واعتلى ظهر جواده وولى هاربا والبنتان تناديان  عليه بألا يتركهما في أيدي الغزاة ولكنه لم يرد عليهما

جاء الغزاة وسلبوا  الأغنام وطلبوا من إحدى البنتين أن تذهب معهما حتى تسوق الغنم وتركوا الأخرى مع الغريب .. ثم أن أحد الفرسان نظر إلى الغريب وهو يصدر بعض الحركات البهلوانية فقال لزميله أشعر أن عيني هذا المجنون عينا فارس وأشم في جرابه رائحة ملح يقصد ملح بارود وسوف أقتله

فقال زميله للغريب هل معك ملح يا ولد ؟ قال كان معي ملح ووضعناه في طعامنا يقصد ملح الطعام .. فقال الرجل دعه وشأنه فإنما هو مجنون !

ثم أنهم ساقوا الغنم أمامهم وعادوا من حيث أتوا .. فهب الغريب يعدو من الناحية الأخرى  حتى سبقهم  إلى مضيق بين جبلين في طريق عودتهم وأخرج بندفيته من جرابه وثنى ركبته وأخذ يرميهم واحدا واحدا كلما ظهر فارس عاجله برصاصة ترديه قتيلا وهو يقول :

هذا جزاء للي سقتني في يدي  ... أخلي الصبيان عن غنمها حيِّدي

حتى أتى عليهم جميعا   والبنت تنظر إليه وتتعجب من شجاعته وسلامة لسانه وحضور بديهته فأقبلت عليه وقالت ما حملك على ما فعلت ولماذا تدعي بأنك مجنون .. قال لها ارجعي بالغنم يا أختي واستري ما رأيت ولا تخبري أحدا فقامت البنت وأخرجت المخطر المزخرف الذي سقت به الشاب ووضعته بين حجرين وحطمته أمامه وعادت بالغنم إلى حيث كانت أختها التي سألتها عن الذي رد الغنم فلم تخبرها فظنت أنه الشاب الفارس الذي كان معهما ولما عادت إلى البيت أخبرت أباها أن الشاب هو الذي دحر الغزاة ورد الغنم فقال إذن سوف أزوجه إحداكن مكافأة له

وكانت عادة الزواج السائدة في القبيلة أن يجتمع أفرادها ثم  تقوم الفتاة المراد تزويجها بصب القهوة للرجال تبدأ أولا بصب الفنجان لأبيها ثم للشاب الذي اختارته 
وعند اجتماع أفراد القبيلة أخذت البنت التي رأت فعل الغريب القهوة وصبت الفنجان الأول لوالدها ثم اتجهت بالفنجان الثاني إلى حيث وجود الغريب بجوار النار وقدمت له الفنجان وسط استغراب ودهشة الجميع ولما رأت استغرابهم أخبرتهم بأنه هو الذي رد الغزاة ووصفت له شجاعته وما سمعته منه . فقال له الشيخ والحاضرون ما حملك على ما صنعت ؟ فأخبرهم بخبره فقال له الشيخ أنت منذ اليوم فرد من أفراد القبيلة  بل أنت فارس القبيلة ولن يصل إليك أحد بعون له  ..
فعاش عندهم بعد أن تزوج ابنة الشيخ وأصبح واحدا منهم 


ليست هناك تعليقات: