الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

ورحل الرجل الطيب إبراهيم الصعيدي


لا يوجد في الدنيا من لم يمت له أب أو أم أو ابن أو قريب أو عزيز والموت هو الحقيقة الوحيدة الباقية والتي تتكرر أمامنا وهو أٌقرب إلينا من حبل الوريد لا يستطيع له أحد دفعا ولم يجدوا له دواء وليس لابن آدم منه وقاية
وهذه هي الدنيا دار ابتلاء يقول فيها عز وجل
(ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون )

ويقول فيها الشاعر
طبعت على كدر فكيف تريدها.......... خلوا من الأقذاء والأكدار

هذه المقدمة أسوقها عزاء لأبناء وأقرباء وأهل وذوي الفقيد ولكافة أبناء ينبع في وفاة رجل الأعمال ورجل البر الشيخ إبراهيم الصعيدى الذي غيبه الموت عنا فجأة بعد أن كان ملء السمع والبصر وكان حديث الناس في لطفه وسماحته وتواضعه وطيبة نفسه .. هو من أسرة أنجبت الفضلاء وتعودت على فعل الخير فورث عنها هذا الفعل كابرا عن كابر .. عرف بالإنفاق على أوجه الخير من سعة دون أن تعلم يساره ما تنفقه يمينه لا يريد بفعل الخير منا ولا رياء ولا سمعة ، ولا ينفق ليقال أنفق أو قدم أو ساهم أو تبرع وقل أن تجد عنه حديثا من هذا النوع في أي محفل أو وسيلة من وسائل الإعلام لأنه لا يريد هذا و له مواقف في هذا الجانب مجهولة لا يدركها إلا من حدثت معه أو من كان قريبا منه .. وفي كل موقف يشدد على ألا يعلم بذلك أحد .فطوبى له بما قدم وهنيئا له ما عمل وبشراه بما ألم به من سقم في آخر حياته فقد جاءته بشارة المولى عز وجل في الحديث القدسي الذي يقول :

وعزتي وجلالي ، لا أقبض روح عبدي المؤمن وأنا أريد به خيرا إلا أبدلته بكل سيئةٍ كان عملها سُقْماً في جسده ، أو إقتاراً في رزقه ، أو مصيبةً في ماله ، أو ولده ، حتى أبلغ منه مثاقيل الضر ، فإذا بقي عليه شيءٌ شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه

نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا .

وهنيئا لأبنائه وأقربائه وقوفهم معه وتجمعهم حوله وكسبهم رضاه وأسأل الله أن يجعله في عليين مع النبيين والشهداء والصالحين وأن يعظم له الثواب ويعلي الدرجات
وأن يكتب لأهله وذويه الأجر ويلهمهم الصبر

الشيخ إبراهيم الصعيدي رحمة الله عليه كان يتميز بأنه يتولى دفع زكاة أمواله بنفسه لا يعتمد على أحد ولا ينيب أحدا إلا أبناءه رغم ما يناله جراء ذلك من عنت ومشقة وألسنة جبلت على الغيبة والنميمة تظن أن ما يفعله من الرياء .. والرياء يا سادة لا يكون في الواجبات لأنها أمر مفروض على المسلم .. الرياء عادة يتسلل من نافذة النوافل والاستعراض من خلالها أما الشيخ فكان يجتهد من خلال هذا الركن العظيم أن يتخصص الفقراء والمساكين والسائلين والمحرومين وذوي الحاجات وكان هؤلاء هم شهوده في الأرض ,وسيفتقدونه كثيرا .. أما نوافله في الصدقات فلا يعرفها أحد ولا تجد لها ذكرا في أي وسيلة إعلامية ولم يعرف عنه أنه دفع زكاة ماله كذا أو خصص منها كذا لكذا كان يعمل ما يعمل احتسابا لهذا اليوم الذي لقي فيه وجه ربه

ولقد سبق لي أن ذكرت تجربة عايشتها وكنت أحد شهودها أعيدها اليوم بعد أن كنت أتكتم على ذكر أشخاصها نزولا عند رغبة الشيخ في عدم نشرها على الملأ أو اطلاع أحد عليها وأجزم أن غيرها كثير مما لا نعلمه عن هذا الرجل الصالح
وقد آن الآوان أن أعيد عليكم القصة وأن أذكر الأسماء فقد زال السبب وأفضى بطلها إلى ما عمل ولم يعد للرياء مجال ولكن استجابة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
اذكروا محاسن موتاكم
ودعوة إلى الترحم عليه وذكره بالخير الذي صنعه
والمعروف الذي زرعه

القصة ( المفخرة )
رجل من المدينة المنورة عليه دية مقدارها ستة ملايين ريال .. توسط بعض أهل الخير عند صاحب الدية فتنازل عن مليون واستطاع هو أن يجمع مليونا ونصف وتبرع الشيخ نغيمش الأحمدي بمبلغ مليون ونصف .. و جاء إلى ينبع ليجمع الباقي وكنت مرافقا له وهو يشرح ظروفه لبعض الجهات الخيرية والميسورين من رجال الأعمال الذين تتصدر أخبار تبرعاتهم الوفيرة صفحات الصحف .. وكل الذي استطاع أن يجمعه خمسة وثلاثون ألف ريال

وبينما هو معي في سيارتي مهموما حزينا لا يدري إلى أين يتجه فقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت وإذا به يشاهد الشيخ إبراهيم الصعيدي في سيارته ( جيب ) وكأنه جاءنا على قدر .. فقال قف بي لأكلم الشيخ قلت له أنني لا أعرفه قال ولا أنا ولكنها حيلة المضطر .. وقفنا في الشارع العام أمام مبنى البلدية ونزل وحده أما أنا فقد بقيت في سيارتي وكنت مترددا بل قل يائسا من أنه سيعود بفائدة لجهلي بمساهمات الشيخ ومواقفه في هذه المواقف فهو لا يذكر شيئا ولا يعلم عنه أحد شيئا .. ولكنه عاد لي سريعا باسما متهللا وقال وأنا لا أكاد أصدق أن الشيخ قال لي لا تذهب لأحد ولا تطلب من أحد شيئا .. ارجع إلى المدينة وقل للشيخ فلان يتصل بي لأرتب معه
( والشيخ فلان هذا من لجنة الخير والإصلاح المتولي هذه القضية )
بعد يومين اتصل بي وقال أن الشيخ إبراهيم قد دفع كل المتبقي من الدية وقال ليتك جئتني قبل أن تذهب لأحد وحلفني بألا أذكر هذا الأمر أبدا .. ولو لم تكن معي وأعرف أنك مشغول بمتابعته لما أخبرتك .

هذه الحادثة مر عليها الآن أكثر من عشر سنوات .. وعندما أتذكرها تعتريني الدهشة فنحن لم نأته في بيته كما أتينا بعض الميسورين ولم نجلس معه لنشرح له الظروف كما شرحناها لهم .. هي مجرد وقفة في شارع يستطيع لو لم يكن حب الخير ديدنه أن يقول : هنا في الشارع تخبرني !! إنني استحضر الإكبار لهذا الرجل رحمه الله وأشعر أن الدنيا ما زالت بخير وما زال فيها من يفعل الخير لوجه الله لا يريد من ورائه جزاء ولا شكورا ولا غرابة فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول
الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة

هذه القصة مافتئت أرددها على مسامع الكثير من الأصدقاء دون ذكر الأسماء والآن استعدوا لمعرفة الأسماء وكلهم أحياء ولله الحمد حتى لا يقال أنني أستشهد بالأموات
من عليه الدية اسمه عبد الله صلاح الجهني
والرجل الذي جاءني وطفت معه على كثير من الميسورين وكلهم أحياء يذكرون هذه الزيارة أخوه صالح الجهني
والشيخ المتولي هذه القضية من لجنة الخير والإصلاح في المدينة المنورة هو الشيخ محمد سعيد بن حمود الزلباني والعملية تمت بتنسيق من الشيخ عبدالرحيم الزلباني جزى الله الجميع خيرا

رحم الله الشيخ إبراهيم الصعيدي فهو رجل يريد أن يبني علاقته مع الله لم يكن همه أن يقال فعل كذا وكذا ودفع كذا وكذا وقد أفضى اليوم إلى ما عمل
اللـهـم عاملة بما انت اهله. و اجزه عن الاحسان إحسانا وعن الأساءة عفواً وغفراناً. اللـهـم زد من حسناته , وتجاوز عن سيئاته .
اللـهـم ادخله الجنة و اّنسه في وحدته وفي وحشته وفي غربته.
اللـهـم انزله منزلاً مباركا وانت خير المنزلين .
اللـهـم انزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين
وحسن اولئك رفيقا .
اللـهـم اجعل قبره روضة من رياض الجنة , و افسح له فيه مد بصره وافرشه من فراش الجنة .
اللـهـم اعذه من عذاب القبر واملأه بالرضا والنور والفسحة والسرور.
اللـهـم إنه فى ذمتك وحبل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار , وانت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه انك انت الغفور الرحيم.

ليست هناك تعليقات: