السبت، 23 أكتوبر 2010

الخوارق والقوى الخفية ـ 2


هناك من يظن أن القصص السابقة هي نوع من السحر ولكن هذا ليس تفسيرا كافيا فكلمة السحر تعني في اللغة كل ما خفي ودق ولطف كأننا نقول هذا شئ خفي أو هذه قدرة خفية ووصفها بالسحر ليس مبررا إلا إذا كنا نعني أنها قدرة خفية ليست من أعمال الجن لأن هذه الظواهر التي يقوم بها بعض الناس لا تعدو كونها قدرات خاصة أو قوى خفية في داخل الجسد يستخدمها بعض الناس دون أن يعلموا سببها
ولو سألت من يقوم بها لقال لك لا أعلم ولكنها تحدث

هناك أشخاص لديهم القدرة على التأثير على الآخرين بعضهم عن طريق الكلام وبعضهم عن طريق العيون وكثير من الكلمات لها تأثير محسوس على الناس .. جرب أن تقول لرجل لاتعرفه ( أحبك ) وانظر مدى تأثيرها عليه وجرب أن تقول لأحد أصدقائك ( أكرهك ) وانظر مدى تأثره بها فهناك من يؤثر على الناس بكلماته وهناك من يؤثر عليهم بعينيه
وقد روي عن هتلر أنه لا يمكن لأحد أن يركز في عينيه إلا ويتأثر بما يقوله ويقتنع به وقد كان المفاوضون يعرفون ذلك عنه فيتحاشون أن تقع أعينهم على عينيه وكانت زوجته أيضا تعرف هذا وعندما توفي قالت أنها لا تعلم ما لون عينيه لأنها لم تركز فيهما على الإطلاق خوفا من أن تأخذ عنه ما لا تقتنع به

وبعضهم لديه القدرة على التأثير على الأشياء !! ما معنى أن ينظر رجل إلى ساعة يدك فتتحطم أو ينظر إلى نجفة فتسقط ؟ أوأن تنظر سيدة إلى أخرى فيعلق فستانها بمسمار ويتمزق أو ينطلق عود ثقاب فيحرقه

ما سر هذه القوة ومن أين أتت ؟ وما هو الحسد وما الحسود أو ( المعيان ) أو ( الزعور ) كما يطلق عليه عندنا
كيف يستطيع إنسان أن يركز عينيه على شئ فيحطمه أو على دابة فتنفق أو على رجل فيمرض أو يموت
لا شك أن هناك قوى خفية في داخل هذا الإنسان و بعضهم يستطيع أن يتحكم بهذه القوة ويرسلها لمن يريد وهناك كثير من القصص التي تروى في هذا المجال



فيها وإلا في القربة ؟


أحد هؤلاء نظر إلى إمرأة تحمل قربة ماء فقال لصديقه فيها وألا في القربة يقصد العين قال له في القربة وإذا بالقربة تنشق فجأة وينسكب ماؤها على ظهر المرأة


إنهم يقلبون السيارات!


هذه القصة تداولتها الصحف قبل مدة .عندما لاحظ الناس أن السيارات تتعرض للانقلاب في منطقة معينة على طريق الرياض مكة..فشكلت لجنة لدراسة المشكلة فوجد أن الطريق سليم وأن مواصفات السيارات المنقلبة سليمة وأن سبب الانقلاب في كل مرة انفجار إطار السيارة وأن وقت الانقلاب دائما قبيل صلاة المغرب

إلى أن أكتشف أن هناك شخصين متقاعدين يأخذان معهما ثلاجتي الشاي والقهوة و يجلسان بشكل يومي في سفح جبل قريب من مكان الحادث وأنهما في كل مرة يتحديان بعضهما من باب التسلية في القدرة على قلب السيارة فيقول أحدهما للآخر ( عندك وإلا عندي ) فيتولاها أحدهما نسأل الله السلامة واللطف .


اعدلني!


ومن الغرائب أن هناك من يتمتع بهذه القوة وهو أعمى .. بما يدل أن هذا الحسد ليس إشعاعا من العين فقط ولكنها أحاسيس داخلية تنتقل من الشخص إلى الشخص المراد وقد سمعنا أن أحد الأشخاص في الرياض يستأجر لمثل هذه الأعمال وهو أعمى وإذا أراد أن يصيب أحدا فإنه يقول : اعدلني أي وجهني إلى الجهة التي فيها المراد


هلاّل ـ تظهر على يديه الأرانب!


وهناك من يستطيع أن يؤثر على الحيوانات فيجعلها تتبعه فإذا أشار إلى قط سار وراءه وإذا نظر إلى طير وقع بجانبه

أعرف رجلا في الصويدرة يدعى هلال السحيمي كان صديقا لنا وكانت لديه قدرة عجيبة على جذب الأرانب البرية فكانت تظهر على يديه بشكل عجيب وكنا عندما نريد الخروج للقنص نحرص على أن يخرج معنا .بل أننا لا نذهب إذا لم يرافقنا . وكان كل أهالي الصويدرة يعرفون عنه هذه القدرة ويحرصون على أن يرافقهم في مهمات القنص ولكنه دائما يفضل أن يخرج معنا بحكم صداقته لنا وتواجده بيننا وسكنه بجوارنا وكان يقول لمن يطلبه ( الأولة للمدرسين ) ولكنا لا نخرج عادة إلا ليلة الجمعة أما بقية الليالي فإنه يخرج مع كل من يطلبه وكان الناس يتسابقون عليه كل يريد الظفر به

أذكر أنه رافقني ذات يوم في الذهاب إلى السوق بعد صلاة العصر وكانت بين بيوتنا وبين السوق حرة ذات صخور سوداء وعندما اقتربنا منها قال لي هل تتحداني أن أخرج لك أرنبا من تحت تلك الصخرة .. وماكدنا نقترب من الصخرة التي أشار إليها حتى قفزت الأرنب تعدو من تحتها والأرانب البرية لمن لا يعرفها يستحيل أن توجد في مكان مأهول بالسكان فضلا عن أن تخرج من جحورها في النهار !

وكان كل من يخرج للقنص ويوفق في اصطياد أرانب كثيرة يوجه له هذا السؤال أولا .. هلال معكم ؟ وهو يعني أنه إذا كان معهم فذلك ليس بغريب

وفي إحدى الليالي زارنا الصديق عمر عريشي ( العدني ) فخرجنا بسيارته إلى القنص ومعنا هلال هذا واستطعنا أن نصطاد ثلاثا وثلاثين أرنبا في ظرف ساعتين ونصف الشئ الذي أذهل عمر وكان معنا في هذه الطلعة الأستاذ حميدي الفايدي والأستاذ إبراهيم أبو جلاس وبعض الإخوة من الصويدرة
ما سر هذه القوة التي يتمتع بها ؟ كنا نسأله عما يحسه أو يفكر فيه فيقول لا أحس شيئا ولا أفكر بشئ !!






 ما سر هذه القدرات ومن أين تأتي وكيف يستطيع الإنسان أن يتحكم بها ؟ 
*************************
يقال أن هذه القدرات الواضحة لبعض الأشخاص في القصص التي ذكرتها وفي مئات القصص التي لم أذكرها لا دخل فيها للجن أو الشياطين ولا للسحر والسحرة وإنما هي عمليات عقلية بحتة يقوم بها العقل البشري .. ولكننا لا نستخدم إمكانات عقولنا كاملة .. وأن ما نستخدمه منها لا يتجاوز ما نحتاجه في أعمالنا اليومية من أكل وشرب ونوم وعمل .. والعقل البشري يحمل إمكانات جبارة ولكنا لا نحاول الاستفادة منها واستفادتنا منها محدودة تشبه استفادة بعض الناس من جهاز الكمبيوتر فهناك من يستخدمه في الوورد فقط ولا يعرف أن له عملا يمكن أن يقوم به غيره وهناك من يستخدمه في الإكسس و من يستخدمه في الإكسل أو الفرونت بيج أو الفلاش أو الآنترنت أو مثل جهاز الفيديو هناك من يستخدمه في العرض فقط وهناك من يستخدمه للتسجيل وهناك من يستخدمه لتسجيل المواد القادمة بعد أسبوع أو شهر

كذلك العقل !! ونحن أسرى عاداتنا وكل ما نعمله نعمله بشكل روتيني ونتحرك في مجال محدود ونحن الذين ضيقنا على أنفسنا لأننا لا نريد أن نتعب عقولنا فترانا نمشي في نفس الشارع ونجلس على نفس المكتب ونقابل نفس الوجوه ونذهب إلى نفس المقهى أو البشكة ونشجع ناديا واحدا ولا نرى إلا إنجازاته وبطولاته ونحب نجما واحد ونتجاهل كل من عداه ولا نعرف من الأشياء إلا ما حولنا وحتى ما حولنا لا نعرف عنه إلا ما اعتدنا عليه .. ولو زارنا صديق لم يدخل منزلنا من قبل لقال لنا لماذا لا تقلعون الشجرة التي عند المدخل فإنها تعيق الدخول ولماذا لا ترفعون الزبالة التي أمام بيتكم فهي مشوهة للمنظر ولماذا لا تصلون في هذا المسجد فهو أقرب وأفضل وكل ما يقوله صحيح ولكنا لا نعرفه لأننا لا نتحرك بواسطة عقولنا ولكن بحكم ما تعودنا عليه فساهمنا بذلك في تلاشي تفكيرنا وفي تدني حواسنا ..

وكل إمكانية لا يستخدمها الإنسان فإنها تتلاشى فحواسنا الآن أقل من حواس كثير من الحيوانات فنحن لا نرى كالصقر ولا نسمع كالذئب ولا نشم كالقط ولا نحدد الاتجاهات كالطيور وحواسنا اليوم ليست كحواس أجدادنا الذين يعيشون في الصحراء لأننا لا نستخدمها كثيرا فمسافاتنا قصيرة والبعيدة منها نستخدم لها الهاتف فلسنا بحاجة لحبالنا الصوتية أو السيارة ونصل في سويعات دون حاجة إلى الحل والترحال والبيوت أمان فلسنا بحاجة إلى استشعار مصادر الخطر كما كان يحتاجها من يعيش في الغابة الذي كانت لديه قوى خفية لرصد حركة الوحوش الضارية أو الثعابين السامة ومعرفة قربها أو بعدها من مكان تواجده ولو لم تكن فيه هذه الخواص لافترسته الوحوش
وكانت لديه قوة خفية يستشعر بها مكان المياه فكان يكفي أن يضرب بعصاه الأرض فيعرف أن في هذا المكان ماء يحفر عنه ويجده ولولا ذلك لمات من العطش أما نحن فالماء يأتينا سائغا في الحنفيات دون أن نفكر في الطريقة التي جاء بها

إذن نحن لا نستخدم عقولنا لأن العادات قد سيطرت علينا .. ولا نستطيع أن نتخلص منها إلا في اللحظات التي تخف فيها سيطرة هذه العادات كالنوم أو المرض أو الجنون وهذا ما يفسر أننا أحيانا في حالات المرض أو في اللحظة التي بين النوم واليقظة تلتمع في عقولنا بعض الأفكار الخلاقة كموضوع جديد نكتبه أو قصيدة شعر ننظمها أو لوحة فنية نرسمها أو مقترح نعرضه أو مشروع نقدم عليه وهو أيضا ما يفسر الأفكار التي تنبغ في عقول بعض المجانين لأن العادات ليست لها سيطرة على عقولهم ولذلك قيل أن بين العبقرية والجنون شعرة !

وإن نحن استطعنا أن نتخلص من سيطرة العادات على عقولنا فإننا نستطيع أن نستغلها الاستغلال الأمثل وأن نستخدمها بتركيز يحرك كثيرا من القوى الخفية الموجودة في أجسادنا ونحن لا ندري
لأن الملاحظ الآن أن بعض الناس يستطيعون أن يستخدموا هذه القوى ولكنهم لا يعرفون كيف يستخدمونها

بينما يستطيع كل إنسان أن يستخدم هذه القوى لأنها ليست بعيدة عنه فهي تنبع من داخله
والإسلام في كل تعاليمه يحثنا على استعمال عقولنا فالخشوع في الصلاة هو دعوة لتركيز الذهن والصيام دعوة للتفكير في الجوع والعطش وأثرهما على من لا يجد الطعام والشراب والزكاة دعوة للتفكير في الفقراء والمساكين والأذكار التي تردد في اليوم والليلة دعوة لإبقاء العقل متيقظا .. اذكار النوم تستدعي أن نفكر في النوم واليقظة والموت وأذكار الطعام تستدعي أن نفكر في طعامنا ومم يتكون وكيف نستفيد منه وأذكار دخول الخلاء تدعونا إلى أن نفكر في جهازنا الهضمي وكيف يستفيد مما يأكله وكيف يخرج الباقي وماذا يحدث لأجسادنا لولم تخرج هذا الخبث وكل تعاليم الإسلام هي دعوة متكررة للتفكير يقول تعالى :

" وفي أنفسكم أفلا تبصرون "

"وأنزلنا اليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل اليهم ولعلّهم يتفكّرون"

إن الله يريد أن تكون لنا عقول متيقظة نشيطة متحررة من سيطرة العادات والتقاليد والأسلوب النمطي تفكر في كل شئ وتسأل عن أي شئ حتى نتفكر في أنفسنا ونحيط بأسرار الكون ونصل إلى عظمة الخالق ونعرف ما أودعه الله فينا من أسرار

ولقد أعجبتني النصيحة التي وضعها الصديق الرايق في توقيعه وبحثت عنها فوجدت أنها قول للصحابي الجليل عبد الله بن مسعود وهي في نطاق موضوعنا هذا يقول :
" اطلب قلبك في ثلاثة مواطن : عند سماع القرآن وفي مجالس الذكر وفي أوقات الخلوة فإن لم تجده في هذه المواطن فأسأل الله أن يعطيك قلبا فإنه لا قلب لك "
والمقصود بالقلب اللب أو العقل وليس القلب التشريحي فسماع القرآن أو مايقال في مجالس الذكر يدفع إلى التفكير والخلوة تؤدي إلى تركيز التفكير لانتفاء ما يشوش على الذهن



فبتركيز الذهن وتنمية العقل يمكن أن نستدل على ما في دواخلنا من قوى والتجارب تفيد أن كل شخص منا يمتلك هذه القوى وأنه قد استخدمها في لحظة من اللحظات
أما كيف فذلك ما سأوضحه في الحلقة القادمة


****************
قلت في الحلقة السابقة أن هذه القدرات موجودة في دواخلنا في عقولنا ولكنا لا نستخدمها أو لا نعرف كيف نستخدمها لأننا ضيقنا على أنفسنا وحجرنا على عقولنا وجعلناها لا تفكر إلا في شئ واحد وأشغلناها بذلك فالحلاق لا يفكر إلا بالشعر والدهان بالبوية وموظف الجمارك بالنظر إلى الناس على أنهم أخفوا شيئا وأنه لا بد أن يجده ورجل الشرطة ينظر إلى الناس على أنهم يتسترون على شئ والمعلم يفكر في التحضير والسبورة والطباشير والتقاعد المبكر والمعلمة تزيد على المعلم بالتفكير في النقل وتحسين المستوى وإجازة الأمومة وربة البيت تفكير في الفطور والعشاء والغداء وتربية الأولاد والمواطن العادي في البلدية والشوارع والنظافة والمجلس البلدي والتاجر في تجارته والصانع في صناعته وكل واحد حصر تفكيره في شئ معين وتدور دنياه كلها حوله وينشغل به عن أي شئ آخر في داخله وخارجه إلا بعض الناس الذين لديهم هذه القدرات الخارقة التي كانت موزعة بين الناس ولكنها اختفت اليوم بسبب تعدد المهن والمواهب والمشاغل وما تزال هذه القدرات موجودة بشكل ما وفي استطاعة أي إنسان أن يرصد هذه الخوارق في نفسه وفي الآخرين

ألم يحدث أحيانا أن تنطق كلمة واحدة في نفس اللحظة التي ينطقها إنسان آخر ؟

ألم يحدث أحيانا أن تقول لإصدقائك والله فلان وحشنا ثم تفاجأ به يدخل عليكم أو يتصل بكم ويقول وحشتوني ؟

ألم تشعر أحيانا وأنت نائم في فراشك أن أخا لك أو صديقا في حالة خطر فتنهض من فراشك وتتصل به فتجده كذلك ؟

ألم يحدث أن تشعر بفرح وانشراح فتبلغ بأن ابنك نجح في المدرسة أو أن عزيزا لك قد عاد من سفره ؟

كيف تدرك الأم فجأة وهي مستغرقة في النوم أن طفلها الصغير سوف يقع من السرير ثم تهب من نومها وتجري إلى غرفته البعيدة فتدركه قبل أن يسقط

أو كيف تشعر أن ابنها المسافر يشكو من ألم ولا تنام من أجل ذلك ثم يتصل بها في الصباح ليقول لها أنه لم ينم بسبب ألم في ضرسه وأنه ذهب إلى الطبيب وخلعه !

ألم يحدث وأنت تزور مكانا لأول مرة أن قلت لنفسك يخيل إلي أنني رأيت هذا المكان من قبل !

ألم يحدث أن تجتمع مع مجموعة أشخاص في انتظار عند طبيب أو حلاق فيلفت انتباهك أحد الحاضرين وتشعر أنك تحب الاستماع إلى حديثه وتتمنى لو أنه صديقك ولكنك لا تعرفه .. ثم تفاجأ بعد ذلك بأحد الأصدقاء يقول لك أنه يسأل عنك ويتمنى التعرف عليك ! من أين جاءت هذه الألفة ؟
إنها جاءت منك حيث استطعت أن تنقل إليه مشاعرك وأحاسيسك دون أن تتفوه بكلمة

ألم يحدث أن تحب شخصا دون أن تكون لك به صلة أو تكره شخصا ليس لك به صلة ولم يسبق أن أساء إليك ؟

ألم يحدث أحيانا أن ترتكب خطأ في عملك وتعرف أن مديرك سيحاسبك عليه حسابا عسيرا وسيحيلك إلى التحقيق وقد يفصلك من عملك فتظل طول الليل مهموما مغموما حزينا وعندما تأتي في الصباح تفاجأ بمديرك يهش لك ويبتسم في وجهك ويهون الأمر ويتغاضى عن لومك على غير عادته . !
إن خوفك من هذا الأمر وتركيز التفكير فيه طول الليل هو الذي نقل خوفك وأحاسيسك إلى مديرك وجعلك تؤثر عليه فلا يرى في الأمر شيئا

كيف تفسر أن رجلا مصابا بجرح في قدمه ولا يستطيع الحراك فيهجم عليه فجأة ثعبان وإذا به يركض دون أن يشعر بأي ألم ؟ من أين أتته هذه القوة وكيف استطاع تجاهل هذا الألم فجأة


هذه الشواهد وكثير غيرها حدثت وتحدث معنا ولكنا لا نلقي لها بالا ولو فكرنا فيها لوجدنا أنها تحدث بسبب تركيز التفكير وإعمال العقل في شئ معين
ارتباط الأم بابنها وحبها له هو الذي جعلها تستشعر الخطر عليه وتسارع لإنقاذه والخوف من المدير وتركيز التفكير عليه طول الليل هو الذي منعه من عقابك
وحبك لشخص ما ورغبتك في معرفته هو الذي نقل إليه هذه الأحاسيس وجعله يحبك
وتعلق سيدنا عمر بن الخطاب بالجيش وانشغاله به حتى وهو يخطب في الناس هو الذي جعله يدرك الخطر المحدق به وهو الذي جعله ينقل أفكاره وخوفه إلى قائده
وانشغال السيد منصور زارع بمركبه السهالة وانتظاره لعودته وخوفه عليه هو الذي جعله يدرك ما ناله من خطر
وإليكم هذه القصة العجيبة التي تدل على أثر العقل وتركيز التفكير في بعض ما يحدث في الحياة

ناظر محطة قطارات في إحدى قرى الصعيد كان يصحو كل يوم في الساعة السادسة على صداع رهيب لم يجد له عند الأطباء علاجا ولم تفلح كل المسكنات لتهدئته . هذا الصداع يبدأ الساعة السادسة وينتهي الساعة السابعة من صباح كل يوم مما اضطره إلى أن يترك عمله في المحطة بسببه .. ولكنه فوجئ أن الصداع قد ذهب منذ أول يوم ترك فيه العمل
أما السبب فهو أن هذا الناظر يقوم يوميا عند الساعة السادسة بقرع جرس المحطة لتنبيه الناس لوصول بريد الحكومة ولكن هذا القرع للجرس يقلق السكان النائمين في تلك اللحظة فيصبون جام غضبهم ولعناتهم عليه في لحظة واحدة فيتسبب له بذلك الصداع
وهذا يدل على أن تركيز التفكير يؤدي إلى التأثير ويفسر لنا استجابة الله لدعاء المسلمين بشفاء مريض أو عودة مسافر إذا اقترن هذا الدعاء بالإخلاص واستحضار الذهن

هذه الخوارق جميعها مصدرها العقل وكل إنسان فيه هذه القوى وكل منا قد استخدمها في وقت من الأوقات ولكنه لا يعرف كيف ومتى يستخدمها ولكن الملاحظ أنه يستخدمها عندما يكون في أمس الحاجة إليها .ولذلك فقد اتجهت الدراسات حديثا إلى الاهتمام بهذه القوى ومحاولة الاستفادة منها وهناك مدارس موجودة الآن في العالم تدرب الناس على استخدام هذه القوى أشهرها على الإطلاق معهد العالم الروسي جورجيف في باريس وعمل هذا المعهد هو تنسيق القوى الداخلية والانسجام المعنوي للإنسان يقول جورجيف أن قدرات الإنسان تشبه فيل ضخم يستطيع أن ينقل القناطير من الأثقال ولكن صاحبه تعود أن ينقل عليه علب الصفيح لفترة من الزمن حتى تلاشت عنده هذه القدرة نظرا للتعود .. وعلينا أن نعيد للإنسان هذه القدرة ونحرك فيه هذه القوى الكامنة عن طريق التركيز والاستمرار والتعود على ذلك
وهو يتبع في معهده بعض التدريبات الشاقة وترديد بعض الكلمات والصوم المتواصل حتى يستطيع أن يصل بالشخص إلى مرحلة السمو والشفافية وهو يجعل طلابه يقفون على قدم واحدة لمدد طويلة قد تصل إلى عشرين ساعة لتعويدهم على المشقة والصبر ويرى أن هذه وسائل لتنمية العقل وتجاهل حاجات الجسد وعاداته ورغباته وهو يرى أن العقل وحده يغنيك عن الأكل والشرب والنوم إذا استطعت أن تستخدمه الاستخدام الأمثل
وعلماء آخرون حيرهم هذا العقل فأجروا عليه كثيرا من التجارب لا ستخدام الطاقات المختزنة ومعرفة سر العبقرية والذكاء والغباء وقد سمح لهم العالم اينشتاين أن يشرحوا مخه بعد وفاته للوصول إلى سر العبقرية ولكنهم فوجئوا بأنه لا فرق بين مخه ومخ خادمه وأنه لا فرق بين مخ الغبي والذكي .. ولكنهم مازالوا مستمرين في الأبحاث والتجارب ..
فهل يصلون إلى سر هذه القوى أم أنها هبة من الله يمنحها لبعض الأشخاص



في الحلقة القادمة نختم البحث بإذن الله

**************
هذه الخوارق التي ذكرتها في هذه السلسلة هي قوى خفية موجودة في كثير من الأشخاص بعضهم يستطيع أن يستخدمها في الوقت الذي يريد وبعضهم يستخدمها أحيانا حينما تكون الحاجة إليها ملحة
.
ولكنها موجودة في جميع البشر فمن الأشخاص من له تأثير على أشخاص آخرين فإذا طلبوا منهم شيئا فإنهم لا يمكن أن يرفضوه وكثيرا ماتأتي حاجتك إلى شخص فيقال لك كلم فلان فهو الذي يستطيع التأثير عليه وهذا التأثير لاعلاقة له بالعلاقة أو الصداقة أو المصالح وإنما هي قدرة هذا الشخص على التأثير على هذا الشخص

والشيخ سعد بن غنيم شيخ جهينة رحمه الله كان له تأثير عجيب على الناس فلا يكاد يسعى في قضية أو يذهب في طلب إلا ويستجاب له فورا مهما كانت القضية ومهما غلا الطلب وكان يستخدم هذا التأثير في أعمال الخير وكثيرا ماسعى في رقاب وفي نزاعات وفي مطالب واستطاع أن يحلها دون مساعدة من أحد وكان الجميع يعرف ذلك عنه ويعبرون عن ذلك بقولهم : نجمه قوي ويقصدون بالنجم الحظ

وموجودة أيضا في الحيوانات فالفأر لا يستطيع أن يقاوم القط وإذا رآه وقف في مكانه حتى يقبض عليه والنسر له تأثير عجيب على القنفذ فإذا رآه كشف القناع الشوكي الذي يغطيه فينقض عليه ويأكله والكلب له تأثير على الذئب وهو أقوى منه والأسد له تأثير على كثير من الحيوانات التي تفوقه جسما وقوة ولكنها إذا شاهدته استسلمت له

وقد اتجه العلماء إلى دراسة هذه الظاهرة لمعرفة أسرار هذه القوى ومحاولة الاستفادة منها فوجدوا أنها قوى موجودة في المخ وأن الإنسان يستطيع أن يصل إليها من خلال التفكير العميق المنظم وبناء على ذلك أسست العديد من المدارس التي تدرب الإنسان على استخدام المخ بتدبر وتفكر وتركيز أشهرها معاهد العالم الروسي جورجيف وقد استطاعت هذه المدارس أن تصل بطلابها إلى نتائج مذهلة في جميع المجالات ومنها أن المتخرج من هذه المدارس يستطيع أن يعالج نفسه من الأمراض دون اللجوء إلى الأطباء أو تناول الأدوية وإنما بمجرد تركيز التفكير في المرض واستحضار الرغبة في شفائه

وما يجب الالتفات له والاهتمام به هو أن من فضل الله علينا نحن المسلمين أن كل ما يظهر من اكتشافات وما يعرف من علوم يكون لنا دائما قصب السبق في معرفته والإشارة إليه ولكنا لا نلتفت له ولا نهتم به إلا بعد أن يصل إليه غيرنا من الأمم

فالقرآن الكريم سبق الجميع في الاهتمام بأمر العقل والدعوة إلى تنمية قدراته والعمل على استخدامه بتركيز شديد ولا تكاد تخلو آية من آيات القرآن الكريم من الدعوة إلى التفكر والتدبر والتعقل أو الخطاب بصيغة أولم يروا أو أولم يعلموا أو أولم يتدبروا في النفس وفي السماء وفي الأرض وفي النبات وفي المخلوقات

"ويقول الإنسان أإذا متّ لسوف أخرج حيّا. أولا يذكر الإنسان أنّا خلقناه من قبل ولم يك شيئا"

"إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآياتٍ لقوم يعقلون"

"وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"

"وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون"

"ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذّكّرون. وهو الذي سخر البحر لتأكلو منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حليةً تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلاً لعلكم تهتدون. وعلامات وبالنجم هم يهتدون أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تتذكرون"

وهناك الكثير الكثير من الآيات التي لا نستطيع حصرها ولكنها جميعا تحث على استخدام العقل والاستفادة من قدراته قبل أن يصل العلماء إلى سر العقل والاهتمام به بمئات السنين

وجميع العبادات المفروضة على المسلم هي دعوة لاستخدام العقل وتخليصه من سيطرة العادات والبعد عن العمل الروتيني وعلى ذلك فإنه لا يقبل من الأعمال إلا ماكان مقصودا بذاته
ولو أن رجلا خرج من بيته في الصباح ورأى فقيرا فأخذته عليه الشفقة وأخرج من جيبه عشرة ريالات ودسها في يده فإنه لا يؤجر على ذلك لأنه لم يقصد بهذا العمل الصدقة من الأساس

ولو أن رجلا عليه جنابة وسقط في لجة حتى غمره الماء فإن ذلك لا يجزيه عن غسل الجنابة لأنه لم يقصد بهذا العمل رفع الحدث وهكذا في جميع العبادات التركيز على القصد والنية التي هي أصل من أصول الدين ولا يمكن أن يقبل عمل بدون استحضارها

فكروا في ذلك أليست هذه دعوة لاستحضار العقل وتركيز التفكير في كل عمل وتدريبه تدريبا متواصلا على استخدام جميع قدراته وإمكاناته .

أليست هذه هي الدعوة التي يدعونا إليها الآن جورجيف الروسي .. وفكروا في تدريباته لطلابه على الصوم والرياضة العنيفة وترديد بعض الكلمات الفارغة وقارنوها بما يحدث في الصلاة والصوم والزكاة والحج وقيام الليل وما يلازمها من التعلق بالله واستحضار قدرته وترديد كلماته وحصر التفكير فيه واكتشفوا بأنفسكم أيها يوصلنا إلى الشفافية والسمو الروحي

تخيلوا معي لو أن رجلا منا سمع الأذان وردد مع المؤذن ما يقول ثم توضأ في بيته و خرج إلى المسجد لا تخرجه إلا الصلاة ثم قرأ دعاء دخول المسجد وصلى تحية المسجد وقام للصلاة بكل سكينة وخشوع عندما يقول الله أكبر يتصور معناها ويفكر في أسرارها وإذا قرأ الفاتحة ركز على معانيها وإذا قال سبحان ربي العظيم استحضر عظمة الله حتى يأتي على جميع أفعال الصلاة وهو على هذه الصورة من استحضار العقل والتفكير في عظمة الخالق فإذا انقضت الصلاة اتجه بقلبه إلى الله بالدعاء الخالص الموقن بالإجابة ثم فعل ذلك خمس مرات في اليوم والليلة ثم جعل ذلك ديدنا له في كل العبادات من صوم وزكاة وحج

لا أريد تخيل ما تحصلون عليه من أجر فهذا معروف ولكن تخيلوا ما تصلون إليه من شفافية وسمو روحي ! أليس ذلك أفضل من الالتحاق بمعاهد جورجيف والقيام بتدريباته وترديد كلماته .. إننا في العبادات نردد كلمات الله ونتعلق بقوة الله .. هذه هي الطريقة التي نستطيع أن نكتشف بها أنفسنا ونرقق فيها مشاعرنا ونصل بها إلى القوى الخفية في أجسادنا وهذا ما يريده الله منا وإلا فهو غني عن أعمالنا وعباداتنا




وفق الله الجميع لكل خير وسداد

هناك تعليق واحد:

al.qadi2000@gmail.com يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.