الأحد، 24 يوليو 2011

زهير الكسرة محمد حامد السيد


المتتبع لانتاج كثير من الشعراء يجد أنهم يجنحون في شعرهم أحيانا إلى الحكمة ، والنصح والموعظة ، ولكن قل أن تجد شاعرا وقف جل شعره على هذا النوع من الشعر ، ولم يتعداه إلى غيره إلا نادرا ..
وشاعرنا اليوم من هذا الطراز الذي عرف بهذا النوع من الشعر ، حتى أطلق عليه عارفوه لقب ( شاعر الأيام ) لما وجدوه في شعره من تحليل للأيام ودوراتها وتقلباتها من يسر إلى عسر ومن لين إلى قسوة ومن فرح إلى ترح استمع إليه وهو يقول :


 


من وقت كله فتن وصلـوف       خطواتنـا نعـد ممشـاهـا
أيامنـا تعاكـس المألـوف       وتفرض على الناس ترضاها

أو وهو يقول
 


تكالبـت ضدنـا  الأيـام       وحطت بنا في زمن مردي
حتى الأمل صار  كالأحلام       من وقت ياخذ ولا  يـدي

و حينما تستمع إلى شعره تستدعي مباشرة الشاعر ( زهير بن أبي سلمى ) أحد فحول الشعراء الجاهليين الذي قيل عنه : الشعراء أربعة : إمرؤ القيس إذا ركب، والأعشى إذا طرب وزهير إذا رغب ، والنابغة إذا رهب .
إذا أن زهيرا كان أعف الشعراء قولا ، وأوجزهم لفظا ، وأغزرهم حكمة ، وأكثرهم تهذيبا لشعره وكان لا يقول الشعر إلا إذا رغب في قوله فهو لا يتكسب بشعره كعادة الشعراء الجاهليين وإنما وقف مدحه على أصحاب المعالي والأعمال الجليلة ، وضمنه تجاربه في الحياة ، وحكمته وهو القائل في معلقته الشهيرة :
 


سئمت تكاليف الحياة ومن  يعـش      ثمانيـن حـولاً لا أبالـك  يسـأم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب      تمته ومن تخطيء يعمـر  فيهـرم
ومن لم يصانع في أمـورٍ  كثيـرةٍ      يضرس بأنيـاب ويوطـأ بمنسـم
ومن يك ذا فضل فيبخـل  بفضلـه       على قومه يستغـن عنـه ويذمـم
ومن هاب أسبـاب المنايـا ينلنـه      وإن يرق أسبـاب السمـاء بسلـم
ومن يجعل المعروف في غير  أهله      يكن حمـده ذمـاً عليـه  وينـدم
ومهما تكن عند امرءٍ مـن خليقـة      وإن خالها تخفى على الناس تعلـم

ومعلقته تربو على ثمانين بيتا لا تكاد تخرج عن هذا المجال من الحكمة والأمثال . وشاعرنا اليوم يشبهه إلى حد بعيد .
ذلكم هو الشاعر القدير ( محمد حامد السيد ) بدأ حياته موظفا عاديا في إمارة بدر ثم شق طريقه في الحياة بصبر وكفاح إلى أن أصبح من أبرز رجال الأعمال وهو يشير إلى ذلك في إحدى كسراته التي تجري مجرى الحكمة بما يدل على أن هذه التقلبات لم تغيرمن طباعه
 


كاس الغنى والفقر  ذقنا       ذقنا الغنى والفقر عشناه
لا المال في يوم غيرنـا      وبفقرنا الوقت  سايرناه

وتجد في هذه الكسرة تضمينا واضحا للبيتين المشهورين للإمام الشافعي الذي يقول فيهما
 


شربنا بكأس الفقر يوما وبالغنى       وما منهما إلا سقانا به  الدهـر
فما زادنا بغيا على ذي  قرابـة      غنانا ولا أزرى بأحسابنا  الفقر

بما يوضح أن ثقافة الشاعرقد تأثرت بهذا اللون من الشعر ، واصطبغت به .
وقد أتاحت له الفترة التي قضاها ببدر أن يلتقي بكبار الشعراء المحبين للكسرة في هذه المحافظة وأن تتوطد العلاقة والصداقة معهم وبخاصة مع الشاعر الكبير المرحوم عواد الزليباني ، الذي نشأت بينه وبينه بعض المراسلات والمحاورات الجميلة ، التي يضيق المجال عن ذكرها في هذه العجالة .
وهو يضمِّن كسراته بعض الأمثال الشعبية الدارجة أو العربية ، بما يسهل على السامع حفظها وتداولها والاستشهاد بها
 


لي رأي وآنا تخيرتـه       أبديه للناس  ماآكنـه
ابعد عن الداب وشيرته       لا تقربه تنقرص منـه

( ابعد عن الداب وشيرته ) ...... مثل شعبي
 


اسمع وخذ لك مثل ينفعك       لا بد في يوم ترجع لـه
منهو يحيك المكر  ينحك       وما حاك للغير يوقع  له

وهو تضمين للمثل العربي (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها )
 


الطيب ما ينخذل  راعيه       لا بد يجني ثمر  طيبـه
لو ضاع بين الملا يجنيه      في يوم ما حي داري به

وهو تضمين لبيت الشعر العربي الذي يقول :
 


من يفعل الخير لا يعدم  جوازيه       لا يذهب العرف بين الله والناس

وهو يجسد في كثير من كسراته الحكمة وسداد الرأي وتجارب السنين استمع إليه وهو يقول :
 


من يأمن الوقـت  دوراتـه      يخلف عليه الذي  حاسيـه
ياكم منهو طغـى  وجاتـه      أيام يجنى طغى مـا ضيـه
أو
الطيبـه فالأصيـل  تبـان      وراعـي الطيبـه يـرقـى
ماتنّسي لـو تمـر أزمـان      وبين العرب ذكرها  يبقـى
أو
وين الصديق الصدوق اليوم      اللي لا جاك اللـزم  تلقـاه
ما غير يكثر عليـك اللـوم      وكل الـذي بينكـم ينسـاه


يتصفح المجالس الينبعاوية
وحتى وهو يتحدث عن نفسه ، وخصوصياته ، فإنه يقدم من خلالها الحكمة وخلاصة التجربة بما يدفع إلى استخلاص العبرة ، ففي كل كسرة من كسراته التالية تجد أنه يتحدث بلسانك ، ويتطابق حاله مع حالك في كثير من المواقف
اقرأ
 


مابين صدق الحديث وبيـن      ما نلاحظه مـن  مواقفهـم
صدق النوايا نجدهـا ويـن      مع ناس تخفى  مقاصدهـم
أو
أمشي مع الناس  وآجامـل       واضحك ومخفي الذي مخفيه
واضغط على النفس وآحاول      من خوف بعض الأسى تبديه
أو
آنا أتشقـى بحـال النـاس      والناس حالي مـا تشقيهـم
ولجلي أنا مرهف  الإحساس      لو كان زعلـوا  أراضيهـم
أو
أسأل عن الأنس وين  يكون      أبغى أتناسـى معـه همـي
ألقاه وألقى البخت من  دون      إنسي يـرد الأسـى  يمـي

وهو يشخص الواقع المعاش بعين الناقد الذي عركته التجارب ، وأكسبته الحياة أسلوب التعامل مع بني البشر
 


أيام كانت وكانـوا  نـاس      وكانت مجالس لها  قيمـه
والآن ماتشوف غير أجناس     البعض ما عندهـم شيمـه
أو
إحنا على أصلنـا  باقيـن      مهما الزمـن دار دوراتـه
نوفي ونسأل عن  الوافيـن     أما الردى نعاف  ممشاتـه
أو
طبايـع النـاس صغناهـا      نبغـى نحلـل  معادنـهـا
لقيتهـا النـاس بلـواهـا      في شي مخلـف  توازنهـا

وعلى الرغم من أنه هو القائل :
 


خواطر تجول فـي  بالـي      ما شفت لأوضاعها  تفسير
أسأل ويرجع لـي سؤالـي     ويش الذي سبب  التعكيـر
أو
قلوبنـا لـيـه ملـهـوده      وهذا اللهد مصدره من وين
كأنها فـي بحـر  سـوده      تقول درب النجـاة منيـن
أو
أيام كانـت نهـار  العيـد     الكل قلبـه علـى الثانـي
والآن أعيـادنـا تنكـيـد     رفيقـك يصـد بالعـانـي

ألا أن هذا لم يمنعه من أن يتجاوز هذا التنكيد ويطلب من صديقه أن يتجاوز هذه المنغصات :
 


لا تحط يدك على  خـدك     ما يسير تزعل نهار العيد
الغلب ما هو على حـدك     كلا يعاني مـن التنكيـد

وتأبى الحكمة إلا أن تظهر في شعر شاعرنا حتى في شعر الغزل ، بما يدل على أنها متغلغلة بشعره ويصعب الانفكاك منها رغم ما يحمله هذا الشعر الغزلي من رقة وعذوبة وعاطفة صادقة ..
استمع إليه وهو يردد عزة النفس التي تمنعه من لقاء المحبوب ، أو الحظ الذي دائما يعانده ، والعذول الذي يحسده
 


أعتب على قلبي  الحيران      والا على النفس  قسوتها
القلب للملتقـى  ولهـان      وتـرده النفـس عزتهـا
أو
تحول دون الأماني  سدود      وحظي معي يخلف ظنوني
دايم على فرحتي  محسود      حتى على دمعة  عيونـي


وشاعرنا رغم هذه المهارة التي تجعله في مقدمة الشعراء إلا أنه ما زال يزهد في الأضواء ،ويرفض المديح وبالكاد استطعت أن أكسبه عضوا نفتخر به في هذه المجالس على اشتراط منه بأن لا يمنح أي لقب، ووافقت على مضض لأنه يستحق أرفع الألقاب ، فهو شاعر يفيض بالحكمة وسداد الرأي
ولعلكم بعد هذا الاستعراض توافقونني على أن شاعر الأيام ( محمد حامد السيد )هو زهير الكسرة الينبعاوية بلا جدال.