الجمعة، 5 نوفمبر 2010

خليفة الدريبي رحمه الله




 
أجراه أبو رامي



عندما دلفت من البوابة الرئيسة للمبنى الأنيق لإدارة فرع الثروة السمكية بمحافظة ينبع ، أول ما استرعى انتباهي على غير العادة في الإدارات الحكومية وجود لوحة أنيقة كتب عليها عبارة : اخلع حذاءك هنا ، وما إن اجتزت الباب الزجاجي ، حتى فوجئت بأن المبنى مفروش بالكامل بأفخر أنواع الفرش ، ودهشت من مستوى النظافة التي تشع من أجواء المكان فالعين لا تقع إلا على كل ما هو نظيف ، والعبير الطيب يفوح في أرجاء المكان رغم ما يشغله المبنى من كائنات بحرية محنطة أو محفوظة ، فأدركت حينها سرهذه العبارة .
أستقبلني المسؤول الأول الأستاذ خليفة سليمان الدريبي مدير الفرع بحفاوة بالغة وترحاب كبير ، وفنجان قهوة عربي ، عرفت بعدها أن هذا الاستقبال والحفاوة والبشر هو ديدن كل العاملين في هذه الإدارة التي يرتادها يوميا أكثر من خمسين فردا ما بين مراجع وزائر لمتحف الأحياء البحرية الموجود في داخل المبنى .
اصطحبني أبو ممدوح بجولة في أرجاء المتحف ، وأطلعني على جمييع المعروضات ، فهناك عروس البحر ، والقرش النمري وهما من الكائنات البحرية الضخمة التي تسترعي الانتباه ، وكذلك القرش الذئب ، وبعض أنواع الحيتان والأسماك الكبيرة ، والشعاب المرجانية ، وبعض المقتنيات التراثية المتعلقة بالبحر والصيادين ، وتطور صناعة أدوات الصيد ، وكثير من الأشياء الجديرة بالزيارة والاطلاع ، مما يعد بحق معلما حضاريا بارزا و مفخرة لهذا البلد .
وكان أبو ممدوح يتحدث عن هذه المقتنيات ، وعن عمل إدارته بعشق ظاهر الشئ الذي أغراني بأن أستأذنه بإلقاء الضوء على ما تقوم به هذه الإدارة الفريدة ، وما يحويه هذا المتحف .. عبر موقع المجالس الينبعاوية على الإنترنت ، فرحب بذلك وكان سؤالي الأول :


منذ متى تأسست هذه الإدارة ، وما هو العمل الذي تقوم به ؟

تأسست هذه الإدارة في 16/10/1414هـ
وكان تأسيسها مبنيا على اعتبار أن قطاع الثروة السمكية بالمملكة العربية السعودية يعتبرواحدا من القطاعات التي تساهم في حل مشكلة البروتين الحيواني ، ولذلك أولت الدولة اهتماما بالغا لحماية مصادر الإنتاج في المياه الإقليمية ، والعمل على حسن استغلالها ، وهي تقوم بالمهام التالية :
• إخراج وتجديد رخص صيد الأسماك للحرفيين ، ولعمال الصيد السعوديين وغير السعوديين
• إخراج وتجديد رخص صيد الأسماك المؤقتة لعمال الصيد غير السعوديين ، وأبناء الصيادين .
• إخراج وتجديد رخص الغوص للمدربين والمساعدين والغواصين وكذلك الرخص المؤقتة
• تسجيل وتجديد ونقل ملكية وسائط الصيد ، وإلغاء التالف منها .
• دراسة احتياج الصيادين للوسائط ولوازم الصيد حسب طلب الإقراض من البنك الزراعي.
• منح شهادات الاستقدام لعمالة الصيد حسب أطوال المراكب.
• أخذ المعلومات عن المصيد ، وجهد الصيد لزوم برنامج الإحصاء السمكي ورصدها .
• تنظيم نقل الصيادين من مرسى إلى آخر أو من محافظة إلى أخرى.
• تحصيل الغرامات من مرتادي البحر المخالفين للوائح .
• القيام بعمل زيارات ميدانية للمراسي ، ومتابعة الصيادين .
• متابعة آثار التلوث للبيئة البحرية ، وخاصة وقت حدوث الكوارث .
• إصداربعض النشرات العلمية الإعلامية للحفاظ على الثروة السمكية ، والأحياء البحرية الأخرى .
• يعمل الفرع بالتنسيق مع قيادة حرس الحدود وحماية البيئة والبلدية على حماية الأحياء البحرية ، و الشعاب المرجانية من التدمير والتلوث في حالات الدفن والردم ، والتجريف وخلافه .
• القيام بشرح وتوضيح أهمية المعرض المقام بالفرع والأشياء التي يحتويها للزائرين.
• فحص وتشريح بعض الأسماك لمعرفة أسباب الوفاة .
• الإشراف على المزارع السمكية ، وتقديم المشورة العلمية والعملية لأصحاب المزارع السمكية .
• القيام بعمل الدورات العلمية لتدريب الكوادر الجديدة .

يلاحظ في بعض الفصول منع صيد أنواع معينة من الأسماك ، لفترة محددة . فهل هذا الإجراء يتم عن طريقكم أم عن طريق جهة أخرى ؟ وما الهدف من ذلك ؟

هذا الإجراء يتم بالتنسيق والتعاون مع قيادة حرس الحدود بمنطقة المدينة المنورة بناء على التعليمات المبلغة لنا من الجهة المختصة بوكالة الوزارة لشؤون الثروة السمكية بوزارة الزراعة . وأما الهدف منه فهو الحفاظ على بعض أنواع الأسماك المستهدفة وقت التكاثر . ومنحها الفرصة لوضع البيض .
والأسماك التي تم حظر صيدها في السنوات الأخيرة هي الناجل والطرادي ، ثم أضيف إليها الشريفي في آخر حظر .


كيف نشأت فكرة إنشاء متحف الأحياء البحرية والتراث البحري . داخل الفرع ؟

نشأت هذه الفكرة أولا من عشقي الشخصي الشديد منذ الصغر للمقتنيات التراثية ، وعندما استلمت زمام العمل في هذه الإدارة ، وجدت المجال رحبا هنا لإشباع هذه الهواية أولا ، ثم تقديم جهد يساهم في تعريف المواطنين والزائرين لهذه المدينة بالأحياء البحرية الموجودة في المحافظة ، وساعد على ذلك أن من مهام عملنا هو تشريح بعض الأسماك لمعرفة أسباب الوفاة .



وكيف تتم عملية التحنيط والحفظ ، وهل لديكم خبراء في هذا المجال ؟


ليس لدينا خبراء مخصصون لأن هذا لا يدخل في نطاق عمل الفرع ، ولكني عندما فكرت بهذا الأمر ، اعتمدت على جهودي الذاتية في إحضار بعض المتخصصين في هذا المجال من مدينة جدة ، فكنت أؤمن لهم تذاكر السفر وأجرة السكن ، لتدريب العاملين لدينا ، حتى أصبحوا ولله الحمد يجيدون هذه العملية ، بل يجددون ويبدعون فيها ، كما أننا نستعين ببعض الجزارين لإخلاء الكائنات البحرية من محتوياتها من اللحم ، وهي كميات كبيرة تقدر بمئات الكيلوغرامات . أما الحفظ فإنه يتم بواسطة سائل الفورمالين .

ما التجديد الذي أضافه العاملون لديكم على عملية التحنيط ؟


التحنيط الذي تدربوا عليه يتم بواسطة الجبس ، ولكننا اكتشفنا بعد مدة أن الجبس يسبب جفاف الجلد وتشققه ، فاستعضنا عنه بحشو الجسم بالرمل البحري المالح ، المخلوط ببعض الأعشاب بما يعادل الكمية المخلاة من اللحوم للعمل على تجفيف الجسم من المياه ثم تفريغها وإعادة حشوها بمواد تعمل على شد الجسم لإبقائه على وضعه الطبيعي ، وإعادة تخييطه.
وكنا في فترة التدريب نقوم بشراء الأسماك الكبيرة لإجراء التجارب ، وكأي بداية فإننا كنا نخسر الكثير من هذه الكائنات ، بسبب عدم نجاح العملية .

كم عدد العينات الموجودة في المتحف تقريبا ، وكم عدد الزوار اليومي ؟


يوجد في المتحف تقريبا ( 210 ) عينة للأحياء والأسماك منها الكبيرة جدا والنادرة كعروس البحر ، والقرش النمري بخلاف التراث.. أما معدل الزوار اليومي باستثناء المراجعين ، فإنه يتجاوز العشرين في اليوم خلاف أيام الإجازة ، وزيارة طلاب المدارس والمجموعات السياحية حيث يصل العدد أحيانا إلى خمسين فردا .

هل يسمح للنساء بزيارة المتحف ؟


المتحف يقع داخل إدارة حكومية خدمية يؤمها الكثير من المراجعين ، ولذلك فإن زيارة النساء تسبب لنا بعض الحرج ، ولا نتمكن أيضا من مراقبة المحتويات من عبث الأطفال المصاحبين أثناء الزيارة ، بيد أنا في هذا الصيف سمحنا لبعض الزوار من خارج محافظة ينبع باصطحاب عائلاتهم نزولا عند رغبتهم ومراعاة لظروفهم .

ألا يمكن إنشاء متحف مستقل عن الإدارة ؟

تعتزم وزارة الزراعة بناء على خطاب معالي الوزير لمعالي وزير الشؤون البلدية والقروية بمنح الوزارة موقع على البحر لإقامة مركز لأبحاث الثروة المائية الحية بمحافظة ينبع بحيث يلحق به قسم للمتحف ، وقد أبدت بلدية ينبع برئاسة الدكتور عبدالعزيز العمار تحمسا كبيرا لهذا المشروع وحددت قطعة أرض على شاطئ البحر جنوب شاليهات أراك ، وعملت الكروكيات اللازمة ، إلا أن الموضوع تعثر في أمانة المدينة المنورة ، بسبب طلبهم الابتعاد عن البحر بما لايقل عن أربعمائة متر ، وهذا لا يساعد على أداء الغرض من الأبحاث التي تتطلب أحواضا مائية ، ومراقبة للأسماك في بيئتها الطبيعية ،
وقد صدرأخيرا توجيه من سمو سيدي أمير منطقة المديينة المنورة بتخصيص موقع لمركز أبحاث الثروة السمكية بمحافظة ينبع .
وإن شاء الله سوف نواصل شرح وجهة نظرنا للأمانة ، حتى نكمل بناء المشروع .

من أين تأتون بهذه الكائنات ؟

الغالبية منها يتم شراؤها ، وبعضها نجده نافقا على الساحل ، كما حدث لعروسة البحر في سواحل مدينة ينبع الصناعية .



ما سبب نفوق هذه الكائنات ؟

بعض النفوق يكون بسبب المرض ، فالكائنات البحرية قد يعتريها المرض( وهذا نادر ) كأي كائن حي آخر ، وبعضها بسبب تعرضه لمحركات وسائط الصيد ، وبعضها بسبب التلوث ، وبعضها بسبب انحسار البحر ، ونحن نقوم بفحص النافق وتشريحه لتحديد أسباب الوفاة ، قبل التحنيط .


عروس البحر هذه التي رأيتها ليست كعرائس البحر التي نقرأ عنها في الروايات والأساطير ، فمن أين جاءت هذه التسمية ؟

طبعا هناك فرق بين الأسطورة والواقع .. أما التسمية فإنها جاءت من أن عروس البحر تسبح أحيانا واقفة وتطبق زعانفها على صدرها ، وهو المشهد الذي يعتقد أنه أوحى للبحارة بفكرة عروس البحر. كما أن هناك تطابقا تشريحيا بين الإنسان وهذا النوع من الحيتان ، فهو من ذوات الدم الحار كالإنسان ، وليس من ذوات الدم البارد كالأسماك ، كما أنه يلد ، ولا يبيض ، و يرضع صغاره من أثداء كالإنسان ، وله أياد بخمسة أصابع في كل يد كالإنسان ، وله جهاز تناسلي مشابه للإنسان .



كثير من المواطنين في ينبع وكذلك الزائرين لها يجهلون وجود متحف رائع كهذا .. فهل تقومون بعمل الدعايات اللازمة له ، وما هي الإجراءات المتخذة لتشجيع المواطنين على زيارة هذا المتحف .

نقوم بالتنسيق مع المدارس ، والشاليهات والفنادق والشقق المفروشة والجهات الحكومية الأخرى عبر إعلانات تم توزيعها باستقبال الزائرين ونخصص لهم من يقوم بالشرح والإجابة على الاستفسارات ، ونشجعهم على الزيارة بمنح بعض الميداليات التذكارية ، والقبعات الملونة للأطفال . وفي هذا العام تعاونت معنا مؤسسة عيد أبو الحسن بعمل لوحات إرشادية توضح المسار إلى الموقع ، كما أن مركز المعلومات السياحية بمدينة ينبع الصناعية قد أضافنا إلى الدليل السياحي هذا العام مع نبذة مختصرة عن نشاطنا . ودعوة إلى زيارتنا وأجدها مناسبة لأتقدم لسعادة مدير عام مشروع الهيئة الملكية بينبع المهندس محمد عبد العزيز الجويسر بخالص الشكر على توجيه سعادته بالتعاون معنا من خلال إضافة المتحف بالدليل السياحي لمركز المعلومات السياحية وتزويدنا بعدد كبير من الصور لينبع الماضي والحاضر وللأخ خالد سبيه ، وسعود معمرجي ، ونتطلع للمزيد .
وأيضا نشجع طلاب الجامعات الباحثين في هذا المجال على زيارتنا ونساعدهم في مراحل بحوثهم . وندعوهم إلى التعاون معنا .
ولكن ارتباط الزيارة بالدوام الرسمي للإدارة ، يحد من عدد الزوار وبالذات في غير العطل الرسمية


ما الأقسام الموجودة في المتحف ؟

يحتل المتحف دورين ، يوجد في الدورالأسفل قسم الكائنات البحرية الضخمة كعروس البحر والقرش النمري ، وبعض اللوحات الإرشادية والتوضيحية لمراحل التحنيط ، وبعض الأحياء المحفوظة ، وفي الدور العلوي يوجد قسم يضم مختلف أنواع الأسماك ، والقروش والسلاحف ، وقسم للتراث البحري والأدوات البحرية والملابس التي يستخدمها الصيادون ومراحل تطورها عبر الزمن ، وبعض الشعاب المرجانية ، و يضم هذا القسم جناحا للوثائق الرسمية القديمة كحجج بعض المراكب المستخدمة في السابق ، وبعض التصاريح ، وقسم للغوص وأدواته قديما وحديثا .


هناك لجنة باسم ( لجنة أصدقاء التراث ) أنشأتها بلدية ينبع بالتعاون مع عدد من المواطنين المتطوعين ، من مهمتها ابراز التراث الحضاري ، وإحياؤه ، والتعريف بقيمته التاريخية والمحافظة عليه .. وبناء على ما لاحظته من اهتمامكم بالتراث بصفة عامة ، والتراث البحري بصفة خاصة وهو ما تزخر به مدينة ينبع ، فهل يمكن أن تتعاونوا مع هذه اللجنة لو طلب منكم ذلك ؟

نعم وبلا أدنى تردد ، فكل ما يخدم التراث نفرح به ، ونساهم في إنجاحه وتطويره ، ونبذل ما نستطيع من جهد في سبيل ارتقائه ، وتطوره وهي خطوة جيدة في سبيل المحافظة على هذا التراث الذي أوشك الآن على الاندثار ، إن لم تسارع مثل هذه الأيادي الكريمة بانتشاله ، وما المتحف البحري إلا جانب من جوانب هذا التراث الذي نسعى إلى المحافظة عليه وتعريف الأجيال القادمة به .


هل اطلعتم على موقعنا على الانترنت ( المجالس الينبعاوية ) ، وما رأيكم في القسم البحري الموجود به ؟

نعم اطلعت عليه ، وهو نافذة جيدة للاطلال على هذا الفضاء الرحيب ، ونشر ثقافات البلد وجسر للتواصل ، وأخذ بأسباب التقنية الحديثة وتسخيرها لخدمة المجتمع ، وإنني أشكر كل القائمين عليه ، وأتمنى أن يكون النجاح حليفهم في كل ما يصبون إليه .
أما القسم البحري فإنني متابع لكل ما ينشر فيه ، وقد أعجبت بكل الموضوعات التي تتحدث عن المراكب وأسمائها ، وأنواعها ، وأصحابها ، وحمولاتها .
ولا سيما أن المشاركين هم من أصحاب الخبرة في هذا المجال كما يبدو ، وهذه بادرة تحسب لكم .



في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل نيابة عن كافة مشرفي وأعضاء وزوار المجالس الينبعاوية عبر شبكة الانترنت ، وأتمنى لكم التوفيق في كل ما تصبون إليه .

نحن الذين نشكركم على السماح لنا بهذه الإطلالة الجيدة التي نرجو أن تساهم بالتعريف بالنشاطات التي تقوم بها هذه الإدارة ، وأن تلقي الضوء على ما هو موجود في المتحف البحري ، وندعو الجميع لزيارته ومشاهدته .
وأرجو إبلاغ تحياتي وتحيات منسوبي فرع إدارة الثروة السمكية بينبع لكافة مشرفي المجالس الينبعاوية، وأعضائها وزوارها . ومن كان له الدور في هذه الفكرة الرائدة .



ليست هناك تعليقات: