الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

الشيخ مرزوق بن راشد السحيمي


 الشيخ مرزوق بن راشد السحيمي كما عرفته

حقيقة كنت أنوي كتابة ذكرياتي وانطباعاتي عن الصويدرة وناسها حسب تسلسلها الزمني ، ولكن علمي المتأخر جدا بوفاة الشيخ مرزوق السحيمي طارفة الصويدرة في ذلك الحين جعلني أقدم هذه الحلقة داعيا له بالمغفرة والرحمة وسائلا الله لأبنائه البقاء والسلامة والتوفيق
 
و كانت تجمعني به صداقة حميمة نشأت منذ أن وطأت قدماي أرض الصويدرة ، وقد عرفته رجلا مهيب الطلعة ممشوق القوام عريض المنكبين ذا بنية جسدية متناسقة وجسم رياضي يميل إلى الطول قليلا ، يزين وجهه شارب دقيق وذقن أنيقة نبتت بطريقة طبيعية لم يتعمد تربيتها ، إذ لايوجد في عارضيه  شعر . ويرتدي حين القراءة نظارة طبية بيضاء تزيده مهابة وجلالا
 
كان لطيف المعشر حلو الحديث بارعا في المناقشة والإقناع ، واسع الاطلاع ، يستقي ثقافته في الغالب من الراديو ثم من مجالسة العلماء والمثقفين ، وبعضها من القراءة ، يبهرك حينما يتحدث في السياسة والاجتماع ، أذكر أننا تعرفنا في أحد مواسم الحج على أستاذة مصرية تحمل الدكتوراة في الفلسفة ضمن وفد من جامعة الكويت وكان الحجاج كما ذكرت سابقا يمكثون في الصويدرة يوما أو يومين ، وفوجئنا بها في اليوم التالي تقوم بزيارتنا في المدرسة ، كما فوجئنا بعدها بمجئ الشيخ مرزوق ، لا أدري إن كان ذلك صدفة أم عن علم منه مسبق ، ودار النقاش بين الشيخ والدكتورة في جميع مناحي الحياة ثم عرجا على السياسة التي يتبعها جمال عبد الناصر في المنطقة ، ولا أخفيكم أننا أشفقنا على الشيخ حينها أن يزج بنفسه في حوار غير متكافئ مع دكتورة متخصصة ، ولكننا بعد ذلك أشفقنا على الدكتورة فقد أسكتها بما يمتلكه من معلومات وما يسرده من تسلسل للوقائع وتحليل للأحداث ، وقد خرجت من عندنا وهي مبهورة بما سمعته منه ، بعد أن أخذت اسمه وعنوانه وأبدت إعجابها برزانته وثقافته . ووعدت بأن ترسل له بعض الكتب
 
أما علاقتي به فقد نشأت بسبب إعجابه بحسن خطي ، وبما أنه لا يوجد كاتب في الأمارة حينها فإنه كان يستعين بي في تحرير الخطابات الصادرة ، وكان يستدعيني حين حصول بعض الحوادث و أذهب معه للتحقيق فيها ، وكنت أتعجب من طريقته في صياغة الأسئلة وحسن سبكها ، وقدرته على توليد السؤال من الجواب ، فكان لا يترك القضية حتى يصل إلى سرها كأبرع محقق عرفته ، ورغم أنه لا يجيد الكتابة إلا أنه قارئ جيد ، كنت أستفيد من توجيهاته في طريقة صياغة الجمل والعبارات ، وقد تكونت لدي فكرة جيدة عن الأعمال الإدارية من خلال عملي معه ، وكان كثيرا ما يطلب مني نقل خدماتي إلى الأمارة ولكني كنت أمانع ، بسبب رغبتي في النقل إلى بلدي ، وقد وصل به الأمر أن استصدر الموافقة على نقلي من مقام أمارة المدينة المنورة ، دون أن أدري وأبلغني هذه الموافقة الشيخ محمد سعيد الزليباني أثناء زيارته للصويدرة ، وأخذ يحرضني على ذلك ويبين لي مزاياها بإيعاز من الشيخ مرزوق طبعا . وحتى زملائي كانوا يرون أنها فرصة لا ينبغي لي أن أفرط فيها
 
و للشيخ مرزوق علاقات طيبة مع سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز رحمه الله أمير منطقة المدينة المنورة في ذلك الوقت ، الذي كان يقيم مخيما في الصويدرة كل عام يمكث فيه شهرا كاملا  وترجع هذه العلاقات المميزة إلى قصة طريفة حدثت بين الإثنين عاصرت بعض فصولها ، ولا مانع من أن أرويها لكم
حصل أن أصدر سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز أمرا بإقالة الشيخ مرزوق بن راشد من أمارة الصويدرة ، وقد استقبل المواطنون هذا الأمر بالانزعاج فهم قد خبروا هذا الأمير ووثقوا فيه ،ولا يرتضون به بديلا وبخاصة أنهم لا يدرون من هو الذي سيأتي بعده . وبدأت المشاورات واستقر الرأي على أن يذهب وفد لمقابلة الأمير ومناشدته بالعدول عن هذا القرار 
.
استدعاني حينها الشيخ مرزوق إلى منزله ، وليس إلى مكتبه كالعادة ،وعجبت حين وجدته هادئا رزينا غير عابئ بما حدث واثقا مما سيفعله ، وأحضر لي حقيبة متوسطة الحجم تحوي أوراقا ووثائق ومستندات ، وقال لي ابحث لي هنا عن أمر ملكي من الملك عبد العزيز يقضي بتعييني أميرا على الصويدرة ، وفعلا وجدت ورقة قد كتب فيها أمرا ملكيا بتوقيع الملك عبد العزيز بأن المنطقة المحدودة ( الصويدرة ) هي تحت إمارة راشد السحيمي وأبنائه من بعده لا ينازعهم فيها منازع   .. أخذ الورقة وذهب لملاقاة الأمير عبد المحسن ، ولم يعد إلا بعد إلغاء القرار وتثبيته في إمارة الصويدرة بل وترفيعه إلى طارفة ، وكان هذا الخبر مصدر سعادة الأهالي ، وبداية علاقة مميزة مع سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز رحمه الله

وكان والده الشيخ راشد بن رشيد بن مهنا السحيمي أحد الفرسان المعدودين وأحد حملة الألوية مع الملك عبد العزيز وقد شارك معه في موقعة أبرق الرغامة في جدة وكان هو الذي أشار عليه بتغيير موقع خيمته لأنها في مرمى المدفعية وقد نزل الملك عبد العزيز عند مشورته وقيل أن إحدى القذائف بعد ذلك وقعت في مكان الخيمة  .. وقد زاره الملك عبد العزيز في الصويدرة كعادته رحمه الله في تقدير من يعمل معه  وكتب له ذلك الأمر في هذه الزيارة 
وقد رأيت البيرق الذي كان يحمله في مكتب الأمير مرزوق وكان يفتخر به كثيرا .
 
رحم الله الشيخ مرزوق رحمة واسعة فقد كان يمثل لي في ذلك الوقت وقد كنت في بداية الطريق الوالد والصديق ، وكان يمازحني كلما اقتربت الإجازة بقوله سوف تتركنا يا أحمد ؟؟ وعند عودتي كان يخبرني ببعض ما حدث في أثناء غيابي ويقول لي لقد افتقتدك كثيرا ، ولو كانت لدي طائرة لأرسلتها لك في ينبع
وكان يشرح لي بعض العادات ويوجهني إلى بعض السلوكيات ، ويرشدني إلى بعض العبارات المستخدمة بطريقة لبقة ، وكأنه كان يعدني للعمل معه باستمرار ، ولا أبالغ إن قلت أنه ساهم في تكوين جزء من شخصيتي على نحو ما
اللهم ارحمه واغفر له وأكرم نزله ووسع مدخله ، واحفظ أبناءه ووفقهم لكل خير ، فقد سرني حقيقة ما وصلوا إليه من مراكز ، وما حققوه من نجاح أسال الله لهم المزيد

أما أخوه الشيخ عايش بن راشد فقد كان قريبا منا جدا يزورنا دائما ، يشدك إليه تواضعه الشديد وأدبه الجم ، وله ابن كان يدرس عندنا اسمه مساعد حدثت لي معه قصة طريفة تستحق أن تروى سأوافيكم بفصولها قريبا إن شاء الله

وإلى لقاء قريب بعون الله





الصويدرة ـ ذكريات وانطباعات

 ذكريات وانطباعات

1ـ الصويدرة التي أعرفها

قرية تقع على طريق المدينة المنورة القصيم ، وتبعد عن المدينة المنورة مسافة خمسين كيلو مترا تقريبا تقطعها السيارات في أقل من ساعة ، ولكنا حينذاك كنا نقطعها بخمس ساعات أوتزيد !! والسبب أن الطريق يومها لم يكن مزفتا كما هو الآن وكان عبارة عن حرة سوداء متواصلة ، تسير فيها السيارة بسرعة عشرة كيلومترات فقط أو أقل من ذلك ، وعندما تسير السيارة فإنها تثير غبارا أحمر في بعض المناطق يضطر سائق السيارة معه أن يتوقف عن المسير حتى يهدأ هذا الغبار . وكانت الوسائل الموصلة لها هي سيارات النقل المرسيدس ويطلق عليها سكان الصويدرة اختصارا ( المور ) ، المتجهة إلى القصيم إذ لم يكن في الصويدرة حينها سيارات سوى سيارات مركز الأمارة ( جيب وونيت ) وسيارة جيب تابعة للشرشورة ، وكنا ندفع للمشوار إلى الصويدرة مبلغ خمسة ريالات وتعادل مائة ريال اليوم  وأول ما يقابلك من مباني الصويدرة هو مبنى المدرسة  وتعود ملكيته للشيخ سويعد عواض السحيمي ويكون على يمين الخط وعلى يساره حرة سوداء تدور حولها السيارات ثم تتجه شمالا حتى تصل إلى منطقة السوق بعد أن تقطع واديا في منتصف المسافة بين السوق وحارة السحمان  وكان في الصويدرة يوم ذاك أربع حارات هي

1ـ السحمان وهي الحارة التي نقطن فيها ويوجد فيها مبنى المدرسة ، ومركز الأمارة .

2ـ حارة السوق ، وهي المنطقة التجارية وكانت حينذاك تعج بالحركة والحياة إذ يوجد بها ثلاثة عشر مقهى وثلاث عشرة بقالة وعشرة جزارين وعشرة مخابز وسبعة مطاعم كبيرة ومحطة بنزين وجامع كبير ، وكانت الحركة فيها لا تهدأ لا ليلا ولا نهارا ، ويعود السبب إلى أن جميع السيارات المغادرة من المدينة تقف في هذه المحطة ، وكذلك السيارات القادمة ، وفي مواسم الحج تزداد الحركة وتكثر المقاهي المؤقتة لأن جميع الحجاج يستريحون بها يوما أو يومين قبل أن يواصلوا رحلتهم للمدينة المنورة ، كما يوجد بها حينذاك أماكن لنزول المسافرين واستراحتهم ، وقد اتخذناها للسكنى ثلاثة أيام في أول وصول لنا للصويدرة قبل أن نستأجر دار العم شلوه السحيمي بجوار مركز الأمارة . كما يوجد بهامستوصف صحي يقوم عليه ممرض كنا نعده حينها طبيبا ونلقبه بالدكتور

3ـ المظبر وهو منخفض من الأرض في الناحية الشمالية من الصويدرة يفصل بيننا وبينه حرة من الصخور السوداء و في أحدى المرات استجبنا لدعوة من أحد أولياء أمور الطلاب الذين يدرسون عندنا لتناول الغداء في المضبر فاضطررنا إلى السير فوق هذا الصخور مسافة ليست بالقليلة ثم الهبوط إلى منطقة السكنى بما يشبه المغامرة المشوبة بالمخاطر، واستغربنا كيف أن طلابنا من هذه الحارة يقطعون هذه المسافة يوميا بكل سهولة

حدر وهي حارة جنوب الصويدرة

وللعلم فجميع هذه الحارات خارج الصويدرة الآن وهي باقية على حالها تقريبا وقد فوجئت حين زيارتي للصويدرة قبل سنتين أنها لم تتغير كثيرا عما تركتها عليه ، وعجبت لذلك ، ولكن زال عجبي عندما اكتشفت أن هناك مدينة جديدة قد أنشئت خلف الجبل الشرقي بمبان حديثة ، وشوارع منظمة وخدمات أرقى .

2ـ الصويدرة عام 1387هـ
تم تعييني وزميلي الأستاذ ابراهيم أبو جلاس معلمين في الصويدرة عام 1387 هـ ، خرجنا من إدارة التعليم نسأل عن موقف الصويدرة فدلونا على قهوة باب الشامي شمال المستشفى العام ، وصلنا إليها وأخذنا نسأل من في القهوة بكل براءة عن الصويدرة ، وأين تقع ، وكم تبعد عن المدينة فانبرى لنا شخص وقال كأنكم مدرسين ؟ قلنا نعم . قال أهلا وسهلا بكم ، وجدتم بغيتكم أنا أذهب بكم إليها .. بكم قال بخمسة عشر ريالا للشخص ثم خفض المبلغ إلى ثلاثة عشر ريالا تكرما .. ركبنا معه في غمارة وايت ديزل وكانت وجهته عفيف بطريق القصيم كما قال لنا ، وأخبرنا أنه لا توجد سيارات توصل للصويدرة مباشرة ، وقد قطع بنا المسافة في سبع ساعات تقريبا ، واكتشفنا بعدها أنه استغفلنا بطريقة عجيبة إذ أن الأجرة لا تتجاوز خمسة ريالات بأي حال من الأحوال ، والخمسة ريالات تعادل مائة ريال هذه الأيام ، وقس عليها الستة والعشرين ريالا التي أخذها منا نتيجة لسذاجتنا ولكنها على أية حال كانت درسا بأن لا نسأل بعدها من لا نعرفه من السائقين عن وجهة يقومون بالتوصيل إليها .
وصلنا إلى الصويدرة ليلا ونزلنا في قهوة لرجل  يمني فاضل اسمه يحي الحرازي ، استقبلنا بترحاب بالغ وأسكننا في غرفة مفروشة ملحقة بالقهوة معدة لسكنى المسافرين ، وأخبرنا أن المدرسين يسهرون كل ليلة في هذه القهوة ، وسوف يحضرون بعد قليل ، وفعلا حضروا وعرفنا عليهم ، فرحوا بنا ، وطمأنونا بأننا سوف نرتاح في هذه القرية فأهلها طيبون ، وكل شئ بها متوفر ، ولن تشعروا فيها بالوحشة ، وقد لاحظنا ذلك فعلا من حركة السيارات والمسافرين التي لا تهدأ طوال الليل .
وفي الصباح ذهبنا إلى المدرسة وتعرفنا على المدير كان رجلا فاضلا شهما من خيبر اسمه عيسى يوسف رشيد  سلمناه خطابات التعيين ، وطلبنا منه السماح لنا بالبحث عن بيت .. فقال اطمئنوا المساكن متوفرة ، وقريبة من المدرسة ولن تحتاروا . خرج معنا أحد المدرسين وأرانا إياها عبارة عن غرف كالدكاكين منفصلة ملاصقة للمدرسة من الجهة الشرقية ولكل غرفة باب ونافذة صغيرة مفتوحة لا يتجاوز عرضها 50 في 50 سم في الجهة المقابلة ، قلنا هل نسكن هنا ؟ قال نعم وقد أنشأها مالك المبنى خصيصا لسكنى المدرسين ، قلنا وهل المدرسون جميعهم ساكنون هنا ؟ قال نعم تلك الغرفة لي أنا وزميل آخر ، وتلك لزميلين آخرين ، وتلك ، وتلك ..
قلنا ألا توجد مساكن مكونة من غرفتين فأكثر ؟ قال بلى ، ولكنها في الحارة ، وبعيدة عن المدرسة ، وهي في العادة مخصصة لسكنى المتزوجين ، والعازب لا يحتاج لزيادة الغرف
المهم أنها لم تناسبنا ، وعندما عدنا إلى صديقنا يحي أخبرناه بذلك وطلبنا منه أن يبحث لنا عن بيت مكون من غرفتين أو ثلاثة غرف وله فناء وباب ، فدلنا على العم شلوة السحيمي كان له دكان بجوار قهوة يحي وذهب معنا إليه فرحب بنا كثيرا وقال عندي ما تطلبون فاستأجرناه منه بمبلغ عشرين ريالا في الشهر ، كان مجاورا لمركز الأمارة من الناحية الشرقية .
كان البيت مقسوما إلى قسمين قسم به غرفتان وحمام ، وقسم به غرفة واحدة ويفصل بين القسمين جدار له باب ، وكان ملاصقا لمنزل المدير الذي هو أيضا ملك لشلوة .
لم نستخدم من هذه الغرف سوى غرفة واحدة مما جعلنا نتأسف على أننا لم نستأجر إحدى الغرف التي عرضت علينا ، وبخاصة أن المدرسين هناك يجتمعون دائما ، ويلعبون الكرة الطائرة عصرا ويسمرون ليلا ، وكنا نسمر عندهم ليليا ثم نضطر إلى أن نسري في ليل بهيم .ولم نمكث على هذا الحال في منزل شلوة سوى ستة شهور ثم انتقلنا إلى واحدة من هذه الغرف بجوار زملائنا .
مبنى المدرسة يقع في الجهة الجنوبية الغربية من الصويدرة ، في حي السحمان ، وهو أول مبنى تقع عليه عينك من مباني الصويدرة علي يمين الطريق الفاصل بينه وبين الحرة يحتوي على سبع غرف ثلاث في الجهة الغربية مخصصة للصفوف الأول ، والثاني ، والثالث ، وثلاث في الجهة الجنوبية مخصصة للصفوف الرابع والخامس والسادس وغرفة للإدارة في الركن الشمالي الشرقي ، وفناء ، وهو مبني من الطين وأرضيته ترابية ، وبجوار غرفة الإدارة من الخارج حمام مخصص للمدرسين الذين يسكنون في الغرف الملاصقة للمدرسة ، وعدد هذه الغرف أربعة بالإضافة إلى منزل (غرفة وحوش) كان يقطنه فراش المدرسة ( متزوج ، وليس من أهل الصويدرة ) .. والمساحة التي بين الغرف أحالها المدرسون ومن يزورهم من أهالي القرية ليلا ساحة للسمر ، وأمام المبنى من الناحية الشمالية ملعب للكرة الطائرة ، وبجوار الملعب ماسورة لجلب الماء من مزرعة قريبة للشيخ سويعد عواض السحيمي ، وسويعد هذا رجل فاضل يمتلك عقلية تجارية فذة ، ولو كان في غير الصويدرة لأصبح من كبار رجال الأعمال هو صاحب المبنى ، وصاحب الغرف ، وهو أول من عمل شبكة مياه في الصويدرة حيث استغل قرب مزرعته من الحرة فبنى فوقها خزانا كبيرا ، يملؤه من بئر مزرعته ، ووزع منه أنابيب إلى الأحياء القريبة وبخاصة المدرسة وغرف المدرسين ، و يأخذ على كل غرفة مبلغ ثلاثة ريالات مقابل الماء ، ومبلغ ستين ريالا من المدرسة ، وعندما طلب رفع سعر استهلاك المدرسة من الماء حصلت قصة طريفة سأرويها لكم قريبا إن شاء الله .
والصويدرة بلد خيرات فعلا ، وكل شئ فيها متوفر كما قيل لنا في البداية ، وأرضها خصبة جدا ، تشتهر بالنخيل و يزرع أهلها الطماطم التي يجففونها ويحفظونها في أكياس ويبيعونها هكذا .. كما يزرعون البامية والقرع والخربز والخيار ، وللخيار فيها مذاق آخر لم أذق مثل حلاوته أبدا هو صغيرورفيع يطلقون عليه ( الرفيّعه ) . أما البيض فكنا نشتري العشرين منه بريال واحد ثم تناقص حتى وصل إلى الخمس عشرة بريال .
وكان الجيران يأتون لنا باللبن ، والزبد والسمن والإقط في كل حين .. وكان الكرم فيهم سجية لا تكلفا .. بارك الله فيهم وجزاهم خير الجزاء

 
 
وإلى حلقة قادمة إن شاء الله .

 

الأحد، 12 ديسمبر 2010

جينا من الطائف



غبت عن المنتدى اسبوعا كاملا ( خلته دهرا ) قضيته في ربوع الطائف المأنوس ، حاولت خلاله البحث عن أي مقهى انترنت أطل منه عليكم ولكن أم الأولاد وقفت دون هذه المحاولة بحزم  ( هو المنتدى ورانا ورانا ) ، فأذعنت صاغرا ومنحت نفسي إجازة إجبارية قضيتها بجانب الأولاد دقيقة يدقيقة واكتشفت خلالها فوائد للسفر خلاف الفوائد الخمسة التي ذكرها الشاعر  .. وهي  أن وجودك بجانب أولادك  في شقة لا تتجاوز مساحتها غرفتين وصالة يكشف لك من سلوكياتهم ماكان غائبا عنك في خضم انشغالك  باهتمامتك وانشغال الأولاد بلهوهم وانشغال أمهم بمسؤولياتها المنزلية .. والطائف هي الطائف لم تتغيير كثيرا عما خبرتها عليه أثناء سكناي فيها عام ـ 1391ـ 1393هـ  إلآ باختلاف اتجاهات بعض الشوارع  وإحداث بعض الجسور والأنفاق ، والجو فيها في غاية الروعة والجمال فدرجة الحرارة لم تتجاوز 26 درجة والغيوم تتكاثف يوميا بعد صلاة الظهر وهطلت بعض الأمطار في أول يوم وصلنا فيه وكانت فرحة الأولاد والأسرة بها عارمة أما في بقية الأيام فكان رذاذا خفيفا لا يمنع المصطاف من أن يجلس في العراء ويستمتع بالجو اللطيف .. والملاهي فيها كثيرة ومتنوعة وتكاد أن تكون من أكثر مدن المملكة امتلاء بالملاهي نسبة لحجمها ، وفي ملاهيها ميزة لا توجد في غيرها وهي أنه باستطاعتك أن تدخل بما تشاء ( فرش ـ مخدات ـ بطانيات ـ ثلاجات قهوة وشاي وترامس الماء البارد ) وتختار لك مكانا ذا خصوصية فريدة ، يذهب أولادك منه  للملاهي ويعودون إليك دون خوف ، ويدفع المصطاف للدخول مبلغ عشرة ريالات للشخص الواحد ، وهو مناسب للعائلة التي ليس لديها أولاد ، أما العائلة التي لديها  أولاد فإنها ستدفع أضعاف ما تدفعه في الدخول في تذاكر الألعاب ، فحبذا إعادة التظر في ذلك بحيث يدخل الأطفال مجانا ، وفي جميع الملاهي تجد عروضا للسيرك المصري والهندي والهولندي وعروض الأقزام ، والثعابين وخلافها .. كما تتوفر أيضا متنزهات طبيعية كالردف وقديره  والغدير والهدى والشفا وليّا وغيرها مزودة بكل ما يحتاجه المصطاف من وسائل الراحة والترفيه .
وبرنامجي كان على وتيرة لم تختلف   نذهب بعد الظهر ولا نعود قبل الساعة الثانية ليلا  ، وعندما عدت كنت بشوق إلى تصفح المنتدى ، وقد وقد شد انتباهي وجود ست عشرة صفحة تحوي ثلاثمائة وتسعين موضوعا استعرضتها كلها بشغف ولفت نظري ما يلي :
1ـ وجود العديد من الأعضاء الجدد الذين سجلوا في غيابي ولعل أشهرهم أطياف بمشاركاتها التسع والثلاثين والأعضاء الذين تغيرت أسماؤهم الجكيم والميزان وأنتهز الفرصة لأرحب بهم وأتمنى لهم طيب المقام

2ـ المتابعة الجادة لفعاليات المخيم الدعوي الثاني ، ومن حسن حظي أنني وجدت أمام سكني في الطائف في شارع شبرا مخيما مثله تماما عنوانه ( الملتقى الشبابي ) وحضرت بعض فعالياته .

3ـ رديح القاضي وأنتهز الفرصة لأبارك لعبد الحميد عيد قاضي زفاف أولاده وأسأل الله أن يبارك له فيهم

4ـ عودة الشاعر الكبير الأديب ذو الأخلاق العالية صالح محسن الجهني وقد فرحت بعودته كثيرا أسأل الله أن يجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا

5ـ ترقية عميد الغباوي محمد جميل الريفي إلى الدرجة الحادية عشرة وأنتهز المناسبة لأبعث له أطيب التهاني واصدق الأمنيات

6ـ موضوع محب الموروث ( رحنا الشام وجينا ) وهو الذي أوحى إلى بهذا العنوان بما يحمله من خفة ظل وأدب وظرف فأهلا به وبكل زملاء الرحلة الميمونة .

7ـ موضوع أبو تركي ( ضعاف العقول ـ تفكير أجوف وتعليل سخبف ) وقد زرت الاستاذ محمد عيد العتيبي وحملني أمانة لكم سأفرد لها موضوعا مستقلا بإذن الله


مشاهدات من الطائف

سوق الأغنام
الناس هنا يتحدثون عن سوق الأغنام الذي سقط بعد الانتهاء من إنشائه ،وقبل تسليمه بأسبوع  وأحدث بعض الأضرار في المنازل المجاورة ، ويشيرون لبعض الغش المعماري الذي يلجأ إليه بعض ضعفاء النفوس لإشباع نهمهم إلى المال ، ويطالبون بتشديد المراقبة على الإنشاءات العامة

الميسر في الملاهي
في كل محلات الملاهي التي دخلتها يوجد محل كبير يبدو من ظاهره  أنه يبيع الألعاب والأجهزة الكهربائية والالكترونية وبعض الخردوات ، ولكنه لا يبيع هذه المعروضات مباشرة ولكن يطلب منك أن ترمي بسهم على مجموعة من الأرقام وإذا أصبت رقما تأخذ ما يقابله من هذه المعروضات وثمن الرمية الواحدة عشرة ريالات ، وللأمانة فقد راقبت عشرين راميا  فلم أجد واحدا منهم  يخرج  ببضاعة تساوي ريالا واحدا .. فاين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن هذه الظاهرة .

بائعة في السوق
في برحة القزاز (السوق الرئيسي في الطائف  ) فوجئنا بوجود إمرأة شابة  تبيع في أحد محلات الملابس النسائية ، و كانت ولله الحمد متحجبة حجابا كاملا وقد شجعني وجود أم رامي على أن أتبادل معها هذا الحوار
هل أنت موظفة هنا ؟
لا أنا صاحبة المحل .. وهذا المكتوب في اللوحة اسمي
هل في السوق بائعات غيرك ؟
لا أنا الوحيدة هنا
كيف جاءت الفكرة ، وهل وجدت عراقيل في سبيل ذلك ؟
أبدا وجدت كل تسهيلات أخرجت السجل التجاري أولا ثم استأجرت المحل فالرخصة من البلدية وكل ذلك بيسر وسهولة ، وهناك من أقاربي من ينوب عني في شراء الملابس وفي إغلاق المحل وتوصيلي إلى البيت .
وهل هناك إقبال على محلك ؟
الحمد لله كما ترى جميع زبائني من النساء وهن يفضلن الشراء من محلي ، وأنا أعلم بما يصلح لهن والثقة موجودة الحمد لله .
ومجاوروك من البائعين الرجال هل تجدين منهم أي مضائقة ؟
أبدا يشهد الله أنهم في منتهى اللطف والاحترام ، ولم أر منهم ما يسيئ أبدا ، أما الأرزاق فهي بيد الله
شكرتها وانصرفت .. وما زالت تجربتها تعتلج  في ذهني ، وهل هي قابلة للتطبيق هنا في ينبع

خطبة الجمعة
صليت الجمعة مع أولادي في مسجد قريب من السكن ، وقد اختار الخطيب موضوعا ثريا وشيقا هو ( الأعمال الموصلة إلى الجنة ) ولكنه ما كاد يبدأ الخطبة حتى انخرط في بكاء مستمر ونشيج متواصل ، وأصبحنا بالكاد نفهم منه العبارة أو العبارتين ، أماالخطبة التالية فلم يتمكن من إتمامها بسبب هذه الحالة من البكاء ونظرت إلى من حولي من المصلين فلم أجد فيهم أي تأثر بهذا البكاء .. وأدركت حينها سر قلة المصلين في هذا المسجد ..

التلفريك
الذي يذهب إلى الطائف ولا يستقل التلفريك فكأنه لم يذهب ، ويدفع الراكب للرحلة  أربعون ريالا  وتستقل كل أسرة عربة تنتقل بك من أعلى جبل الهدى إلى أسفل منطقة الكر في رحلة مدتها أربعون دقيقة ترى السحاب خلالها  من تحتك ويتغير الجو خلالها  عدة تغيرات وتشاهد سهولا ومزارع وأغناما وقطعان قرود لا يشاهدها العابر بالسيارة كما تشاهد طرق الطائف القديمة  التي كانت تسلكها الإبل ضيقة ومرصوفة بالحجر .