الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

الشيخ مرزوق بن راشد السحيمي


 الشيخ مرزوق بن راشد السحيمي كما عرفته

حقيقة كنت أنوي كتابة ذكرياتي وانطباعاتي عن الصويدرة وناسها حسب تسلسلها الزمني ، ولكن علمي المتأخر جدا بوفاة الشيخ مرزوق السحيمي طارفة الصويدرة في ذلك الحين جعلني أقدم هذه الحلقة داعيا له بالمغفرة والرحمة وسائلا الله لأبنائه البقاء والسلامة والتوفيق
 
و كانت تجمعني به صداقة حميمة نشأت منذ أن وطأت قدماي أرض الصويدرة ، وقد عرفته رجلا مهيب الطلعة ممشوق القوام عريض المنكبين ذا بنية جسدية متناسقة وجسم رياضي يميل إلى الطول قليلا ، يزين وجهه شارب دقيق وذقن أنيقة نبتت بطريقة طبيعية لم يتعمد تربيتها ، إذ لايوجد في عارضيه  شعر . ويرتدي حين القراءة نظارة طبية بيضاء تزيده مهابة وجلالا
 
كان لطيف المعشر حلو الحديث بارعا في المناقشة والإقناع ، واسع الاطلاع ، يستقي ثقافته في الغالب من الراديو ثم من مجالسة العلماء والمثقفين ، وبعضها من القراءة ، يبهرك حينما يتحدث في السياسة والاجتماع ، أذكر أننا تعرفنا في أحد مواسم الحج على أستاذة مصرية تحمل الدكتوراة في الفلسفة ضمن وفد من جامعة الكويت وكان الحجاج كما ذكرت سابقا يمكثون في الصويدرة يوما أو يومين ، وفوجئنا بها في اليوم التالي تقوم بزيارتنا في المدرسة ، كما فوجئنا بعدها بمجئ الشيخ مرزوق ، لا أدري إن كان ذلك صدفة أم عن علم منه مسبق ، ودار النقاش بين الشيخ والدكتورة في جميع مناحي الحياة ثم عرجا على السياسة التي يتبعها جمال عبد الناصر في المنطقة ، ولا أخفيكم أننا أشفقنا على الشيخ حينها أن يزج بنفسه في حوار غير متكافئ مع دكتورة متخصصة ، ولكننا بعد ذلك أشفقنا على الدكتورة فقد أسكتها بما يمتلكه من معلومات وما يسرده من تسلسل للوقائع وتحليل للأحداث ، وقد خرجت من عندنا وهي مبهورة بما سمعته منه ، بعد أن أخذت اسمه وعنوانه وأبدت إعجابها برزانته وثقافته . ووعدت بأن ترسل له بعض الكتب
 
أما علاقتي به فقد نشأت بسبب إعجابه بحسن خطي ، وبما أنه لا يوجد كاتب في الأمارة حينها فإنه كان يستعين بي في تحرير الخطابات الصادرة ، وكان يستدعيني حين حصول بعض الحوادث و أذهب معه للتحقيق فيها ، وكنت أتعجب من طريقته في صياغة الأسئلة وحسن سبكها ، وقدرته على توليد السؤال من الجواب ، فكان لا يترك القضية حتى يصل إلى سرها كأبرع محقق عرفته ، ورغم أنه لا يجيد الكتابة إلا أنه قارئ جيد ، كنت أستفيد من توجيهاته في طريقة صياغة الجمل والعبارات ، وقد تكونت لدي فكرة جيدة عن الأعمال الإدارية من خلال عملي معه ، وكان كثيرا ما يطلب مني نقل خدماتي إلى الأمارة ولكني كنت أمانع ، بسبب رغبتي في النقل إلى بلدي ، وقد وصل به الأمر أن استصدر الموافقة على نقلي من مقام أمارة المدينة المنورة ، دون أن أدري وأبلغني هذه الموافقة الشيخ محمد سعيد الزليباني أثناء زيارته للصويدرة ، وأخذ يحرضني على ذلك ويبين لي مزاياها بإيعاز من الشيخ مرزوق طبعا . وحتى زملائي كانوا يرون أنها فرصة لا ينبغي لي أن أفرط فيها
 
و للشيخ مرزوق علاقات طيبة مع سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز رحمه الله أمير منطقة المدينة المنورة في ذلك الوقت ، الذي كان يقيم مخيما في الصويدرة كل عام يمكث فيه شهرا كاملا  وترجع هذه العلاقات المميزة إلى قصة طريفة حدثت بين الإثنين عاصرت بعض فصولها ، ولا مانع من أن أرويها لكم
حصل أن أصدر سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز أمرا بإقالة الشيخ مرزوق بن راشد من أمارة الصويدرة ، وقد استقبل المواطنون هذا الأمر بالانزعاج فهم قد خبروا هذا الأمير ووثقوا فيه ،ولا يرتضون به بديلا وبخاصة أنهم لا يدرون من هو الذي سيأتي بعده . وبدأت المشاورات واستقر الرأي على أن يذهب وفد لمقابلة الأمير ومناشدته بالعدول عن هذا القرار 
.
استدعاني حينها الشيخ مرزوق إلى منزله ، وليس إلى مكتبه كالعادة ،وعجبت حين وجدته هادئا رزينا غير عابئ بما حدث واثقا مما سيفعله ، وأحضر لي حقيبة متوسطة الحجم تحوي أوراقا ووثائق ومستندات ، وقال لي ابحث لي هنا عن أمر ملكي من الملك عبد العزيز يقضي بتعييني أميرا على الصويدرة ، وفعلا وجدت ورقة قد كتب فيها أمرا ملكيا بتوقيع الملك عبد العزيز بأن المنطقة المحدودة ( الصويدرة ) هي تحت إمارة راشد السحيمي وأبنائه من بعده لا ينازعهم فيها منازع   .. أخذ الورقة وذهب لملاقاة الأمير عبد المحسن ، ولم يعد إلا بعد إلغاء القرار وتثبيته في إمارة الصويدرة بل وترفيعه إلى طارفة ، وكان هذا الخبر مصدر سعادة الأهالي ، وبداية علاقة مميزة مع سمو الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز رحمه الله

وكان والده الشيخ راشد بن رشيد بن مهنا السحيمي أحد الفرسان المعدودين وأحد حملة الألوية مع الملك عبد العزيز وقد شارك معه في موقعة أبرق الرغامة في جدة وكان هو الذي أشار عليه بتغيير موقع خيمته لأنها في مرمى المدفعية وقد نزل الملك عبد العزيز عند مشورته وقيل أن إحدى القذائف بعد ذلك وقعت في مكان الخيمة  .. وقد زاره الملك عبد العزيز في الصويدرة كعادته رحمه الله في تقدير من يعمل معه  وكتب له ذلك الأمر في هذه الزيارة 
وقد رأيت البيرق الذي كان يحمله في مكتب الأمير مرزوق وكان يفتخر به كثيرا .
 
رحم الله الشيخ مرزوق رحمة واسعة فقد كان يمثل لي في ذلك الوقت وقد كنت في بداية الطريق الوالد والصديق ، وكان يمازحني كلما اقتربت الإجازة بقوله سوف تتركنا يا أحمد ؟؟ وعند عودتي كان يخبرني ببعض ما حدث في أثناء غيابي ويقول لي لقد افتقتدك كثيرا ، ولو كانت لدي طائرة لأرسلتها لك في ينبع
وكان يشرح لي بعض العادات ويوجهني إلى بعض السلوكيات ، ويرشدني إلى بعض العبارات المستخدمة بطريقة لبقة ، وكأنه كان يعدني للعمل معه باستمرار ، ولا أبالغ إن قلت أنه ساهم في تكوين جزء من شخصيتي على نحو ما
اللهم ارحمه واغفر له وأكرم نزله ووسع مدخله ، واحفظ أبناءه ووفقهم لكل خير ، فقد سرني حقيقة ما وصلوا إليه من مراكز ، وما حققوه من نجاح أسال الله لهم المزيد

أما أخوه الشيخ عايش بن راشد فقد كان قريبا منا جدا يزورنا دائما ، يشدك إليه تواضعه الشديد وأدبه الجم ، وله ابن كان يدرس عندنا اسمه مساعد حدثت لي معه قصة طريفة تستحق أن تروى سأوافيكم بفصولها قريبا إن شاء الله

وإلى لقاء قريب بعون الله





هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

رحم اللغ الشيخ مرزوق بن راشد وبارك الله في أبنائه وشكرا لك على هذه الذكريات عن هذا الرحل الفاضل رحمه الله