الاثنين، 1 نوفمبر 2010

كيف تكتشف الجرائم ؟


كيف تكتشف الجرائم


منذ صغري وأنا شغوف بقراءة القصص والروايات البوليسية .. أذكر أنني في الصف السادس قد قرأت كل روايات اللص الظريف (أرسين لوبين ) وهو شخصية روائية بوليسية مشهورة في ذلك الحين وكانت رواياته تكتسح الأسواق ويتبادلها الشباب .. وكنت أعجب من تمكنه من سرقة احصن الأماكن وقدرته على التخفي عن اعين البوليس بل وتظليلهم وإخلاف ظنونهم .. وأرسين لوبين هذا رغم أنه سارق إلا أن المؤلف استطاع أن يدفعنا للتعاطف معه لأنه لم يكن يسرق بهدف السرقة وإنما كان يسرق لتحقيق العدالة الاجتماعية بين البشر .. فكان يسرق من الأغنياء ويعطي الفقراء ولكن السرقة سرقة على أية حال .. والشباب سوف يقلدونه ويسعون لتحقيق العدالة الاجتماعية مثله ، وقد تنبه المسؤولون لهذا الأمر فمنعوا رواياته وصادروها من الأسواق .. وكان هذا الإجراء بمثابة الكارثة حينئذ عليّ وعلى من تعود قراءة رواياته
ثم انتقل اهتمامي إلى تتبع كل الرويات البوليسية أيا كان مصدرها فقد قرأت كل روايات أجاثا كريستي ..وكنت أعجب من المحقق ( شرلوك هولمز ) و مهارته الشديدة في استخدام المنطق والمراقبة لحل أعقد القضايا . وشرلوك هولمز يعد أشهر مُحقق روائي في العالم وهو شخصية أدبية معروفة
كل هذه الاهتمامات كانت في محيط الخيال وما هو موجود في القصص والروايات فقط .. ولم يتجاوزها إلى الواقع .. بل أنني كنت أعتقد أنه لا يوجد مثلها إلى أن اهتديت إلى شخصية ( اللواء سراج الدين الروبي ) 

واللواء سراج الدين الروبي يعد اليوم أعظم ضابط مباحث في هذا القرن .. عمل في سلك الشرطة المصرية لمدة ثلاثين عاما تخصص فيها في البحث الجنائي وكان مشهورا بحل طلاسم وألغاز أعقد جرائم القتل وسرقة المال والمساكن والمتاجر والسيارات والاحتيال وكان مشرفا على البحوث الجنائية لضباط المباحث وينتدب إلى كافة المحافظات لوضع الخطط لحل أعقد المشكلات ثم عمل في مجال الانتربول مديرا للانتربول المصري ثم عضوا لمنظمة الانتربول العالمية ثم نائبا لرئيس تلك المنظمة وهو الآن رئيس لجنة التطوير الاستراتيجي للانتربول ومحاضرا في العديد من الجهات وزار العديد من دول العالم للاستعانة به في هذا الغرض هذا الرجل لا يخفي شيئا إذ أنه ما يكاد يحل لغز أي جريمة ويتوصل إلى المجرم حتى ينشر الطريقة التي اتبعها في البحث عنه على صفحات الصحف والمجلات ثم يودعها العديد من المؤلفات ويستخلص منها العبر وقد تتبعت أغلب مؤلفاته ـ الجريمة المنظمة وأساليب البحث ـ زوجات قاتلات ـ سفاح وقتلة ـ اشهر عمليات الانتربول وغيرها ,,وعجبت كثيرا من هذه العقلية الجبارة وهذه القدرة الفائقة التي يتمتع بها في التوصل إلى المجرمين وتعقبهم وإلقاء القبض عليهم ثم نشر ذلك على الملأ وكأنه يجد متعة وراحة فيما توصل إليه
وهو في كل ما يتوصل إليه يستخلص العبر ويبحث عن الدروس المستفادة من الحادث ويشدد على التأكد من حالة الوفاة وعدم الاستعجال في الحكم يقول :انه حضر مرة حادث تصادم قطارين راح ضحيته عشرات من القتلى والمصابين واخذت سيارات الاسعاف تنقل المصابين الى المستشفي بينما بدأت سيارات نقل الموتى تنقل الجثث الى المشرحة وتولى عم محمد سائق سيارة نقل الموتى مهمة نقل احدى جثث الضحايا ومضى السائق العجوز (60 سنة ) منطلقا بالسيارة فى شوارع القاهرة نحو المشرحة وفجاة كاد يصاب بالشلل عندما شعر بمن يهزه من الخلف رغم عدم وجود احد فى السيارة والتفت ليكاد يصعق وهو يشاهد الجثة تمد يدها نحو قفاه وتحاول الاستغاثة به وافاق عم محمد من الصدمه ليستدير عائدا بسرعة جنونية الى اقرب مستشفى لينقذ الجثة بعد ان قرر الاطباء الذين كانوا فى موقع الحادث انها ماتت
وأيضا هو يركز كثيرا على عدم تجاهل أي أثر يتركه المجرم في مسرح الجريمة مهما بدا تافها فقد يكون هو الخيط الذي يقود إليه .. وقد بقي ما يقوله الرجل مختزنا في ذاكرتي حتى أراد الله تعالى أن يتعرض منزلي لسرقة .. لصوص حطموا الأبواب وكسروا الدواليب وأخذوا ما خف حمله وغلا ثمنه .. وعندما وصل أفراد الشرطة لمباشرة الحادث ببزاتهم الأنيقة وحقائبهم الدبلوماسية وكاميراتهم المتطورة حدثت نفسي بمتابعة حل طلاسم جريمة عن قرب .. وكان اللصوص قد تناولوا الطعام في الدار وتركوا سفرة عامرة تحوي بعض المأكولات ( جبن وزيتون ولبن السيرة ) وبعض بكتات المالبورو ، وأعقاب سجائر مطفأة في الموكيت كنت حريصا على ألا أقترب منها حتى لا أضيع الأدلة أو أغير شيئا من معالم الجريمة .. ورأيت أن الجنود لم يلقوا لها بالا بل تجاوزوها إلى تصوير التكسير وذر مسحوق أسود على مقابض الأبواب وبعض الأسطح .. لم نتخلص منه بعد ذلك إلا بصعوبة .. وعندما هموا بالخروج قلت لهم لماذا لا تأخذوا هذه البقايا التي تركها اللصوص ؟ قال لي أحدهم لماذا ؟ قلت : تسألون عنها وتحللونها لعلكم تصلون إلى خيط يدلكم على اللصوص .. فنظروا إلى باستخفاف وابتسامة استغراب كمن ينظر إلى طفل يتعلم الكلام للتو وانصرفوا
سراج الدين الروبي يكتب وصفا تفصيليا لمسرح الجريمة ويحرز كل الموجودات حتى لو كانت شعرة أو دبوسا .. هل هو يكذب أم أن محققينا لا يعرفون ذلك .. هذا مستحيل فالتعليم عندنا متقدم وضباطنا وأفرادنا يدرسون آخر ما توصل إليه علم الجريمة واحتيالات المجرمين .. ولكن المسألة موهبة قبل أن تكون علما 
مقدمة لا بد منها
هذه جرائم حقيقية وليست من نسج الخيال بل أنها مدعومة بالصور ولكن لا أدري إن كان من المناسب عرض الصور أم الاكتفاء بالوصف فقط لأنها صور مخيفة لأجساد بدون رؤوس أو أطراف مقطعة أو جثث ممزقة هدف اللواء من وضعها تكامل الإدراك ببشاعة الجريمة .. وعلى أية حال سأضع صور الجريمة الأولى وإذا رأيتم أنه من غير المناسب عرضها فأخبروني لأحذفها وأتوقف عن نشر غيرها
أما الهدف العام من نقلي لهذه الحوادث فهو الاطلاع على قدرة رجال البوليس على تعقب المجرمين ، وأن أي جريمة مهما بلغ مرتكبها من قدرة على الخداع والتمويه لن تستعصي بإذن الله على المخلصين من رجال البوليس وهي رؤية حقيقية لحركة المباحث الجنائية للبحث عن مجرم مجهول

1ـ جثة بلا رأس
في صباح الجمعة 25/4/1987م أثناء فترة الظهيرة تقدمت إحدى رعاة الأغنام ببلاغ إلى قسم مدينة نصر إذ أنها حال قيامها ونجلها البالغ من العمر عشر سنوات برعي أغنامهما بمنطقة الحي العاشر دائرة القسم أبلغها ابنها أنه شاهد ساقا لإنسان مدفون في منطقة سيرة فتوجهت إليه لاستطلاع الأمر فشاهدت إنسانا عاريا حتى وسطه مدفونا في منطقة رمال متحركة فأبلغت والدها وحضروا لقسم الشرطة للإبلاغ.
بالانتقال والمعاينة تبين أن منطقة البلاغ خالية من السكان وأنها قريبة من إحدى محطات الخلاطات بالحي العاشر وتعتبر غير مطروقة إلا من رعاة الأغنام والمترددين على هذه المحطة لخلط الأسفلت .
الجثة المعثور عليها لذكر بدون رأس وهي عارية إلا من ( الكلسون ) الذي تلطخ بالدماء
الجثة حديثة الذبح ولا يتجاوز الزمن الافتراضي للحادث على اثنتي عشرة ساعة .
طول الجثة لا يتجاوز 165سم تقريبا نحيف الجسد يوجد بعض الشعر الخفيف على الصدر غير حليق شعر الإبط والعانة وخفيف الشعر في باقي الجسد
بمناظرة القدمين وجدنا الكعبين من النوع الأملس مما يشير إلى اعتياد المجني عليه لبس الأحذية .
تبين اهتمام المجني عليه بقص أظافر يديه وقدميه فضلا عن نعومة كفيه بطريقة تشير إلى اهتمامه بنظافته بصفة عامة
عثر على سكين بنصل واحد من النوع الكبير موضوعة أعلى الجذع مكان الرقبة جديدة ولها مقبض من الخشب
بمناظرة ( الكلسون ) وجد أنه من القطن ( الأسلب ) من نوع الجيل الثالث الشائع الاستعمال في مصر
وجدنا بقعة من الدماء الحديثة قطرها حوالي 50 سم على مسافة حوالي خمسين مترا من مكان العثور على الجثة وبقع دماء صغيرة في الاتجاه إلى مكان الإلقاء
لم يعثر على أي ملابس للمجني عليه بمنطقة الحادث تساعد في الاستدلال على شخصيته

الجثة بعد استخراجها من الرمال وواضح عدم وجود رأس

رأس المجني عليه مفصول عن جسده ومدفون في الرمال


بفحص الإصابات الظاهرة في جثة المجني عليه خلاف الذبح وجدنا ما يلي :
جرحا غائرا بعمق ومسطح 4*4 سم في الظهر بجوار العمود الفقري
جرحا سطحيا في الكتف اليسرى بمساحة 2*2 سم
بمناظرة الذبح وجد أنه تم بدون تردد وبطريقة سريعة
أثناء وصول أعضاء فريق البحث لمنطقة الحادث عثر على رأس آدمي مدفون في رمال متحركة على مسافة مائتي متر من المكان الذي عثر فيه على الجثة مذبوحة حديثا وتشابه في مكونها الجسدي الظاهري جثة المجني عليه وهي لشاب في العقد الثالث من عمره وجهه مسحوب رفيع وشعر رأسه اسود ناعم طويل ويفرقه من جانب سوالفه عادية وأذناه ملتحمتان مع الوجه ومتوسطتان حواجبه رفيعة وغير متصلة وعيناه متوسطتا الاتساع ومسحوبتان إلى الخارج وبهما رموش طويلة والأنف رفيع والشارب خفيف والشفتان رفيعتان حليق شعر الذقن حديثا وتوجد حسنة صغيرة ( خال ) أسفل الأذن اليمنى وتوجد سحجات على الجبهة ولم يستدل على شخصيته من المترددين على المنطقة 
 
تم تشكيل فريق البحث لكشف غموض هذا الحادث وفق خطة هدفها الأصلي : تحديد شخصية المجني عليه من خلال :
1- فحص بلاغات الغياب السابقة على العثور واللاحقة له
2- تصوير المجني عليه وعرض صورته على أهالي المنطقة وصاحب محطة خلط الإسفلت والسائقين والعاملين بها والأعراب المترددين على المنطقة لرعي الأغنام
3- نقل الجثة إلى المشرحة وعرضها على أهل المتغيبين للتعرف عليها
4- رفع بصمات الجثة والكشف عن سوابق صاحبها
5- كمرحلة تالية وضع في الاعتبار إمكان نشر صورة الرأس في الصحف كشخص فاقد الذاكرة وطلب التعرف عليه
6- تشريح جثة المجني عليه لتحديد ما يلي :


0 هل الرأس والجثة لشخص واحد أم أنهما لشخصين مختلفين
0 تحديد سبب الوفاة ..هل هو الجرح الطعني النافذ في الظهر أعلى الحوض أم أن الذبح هو سبب الوفاة
0 تحديد الآلة المستخدمة في الذبح والجرح وهل يمكن أن تكون السكين المضبوطة بجوار الجثة هي التي استخدمت أم أن هناك آلة أو أكثر استخدمت في الحادث
0 تحديد تاريخ الوفاة
0 هل كان المجني عليه مخدرا أو منوما أثناء ارتكاب الحادث
0 هل تم إحداث الجروح والذبح في مكان العثور أم أنه تم نقله من منطقة أخرى
0 هل يمكن أن يكون الجاني واحدا أم يجب أن يكون أكثر من شخص حتى تتم الجريمة بهذه الصورة
0 هل قاوم المجني عليه اثناء عملية الذبح أو الإصابة ؟
0 تحديد فصيلة دم المجني عليه لمعرفة : هل بقع الدم الموجودة بمكان الحادث من المجني عليه أم من الجاني حال المقاومة .
وقد أسفر تنفيذ خطة البحث عن التوصل إلى ما يلي


أولا
لم تقدم بلاغات غياب عن أشخاص بهذه المواصفات وإن كان هناك شخص قد أبلغ بغياب نجله وعندما توجه إلى المشرحة انهار وقرر أن الجثة خاصة بنجله فعلا ولكن عندما تم مضاهاة بصمات نجله المحفوظة في إدارة المرور على بصمات الجثة اتضح أنها لشخص آخر وظهر نجله بعد عدة أيام


ثانيا
بعرض الصورة على أهالي المنطقة لم يتقدم أحد بأي معلومات ولم يتعرف عليها أحد

ثالثا
بالكشف الفني من مصلحة تحقيق الأدلة الجنائية عن سوابق المجني عليه لم يستدل له على سوابق

رابعا
عندما لم يتقدم أحد للتعرف على الجثة تم تكليف كبير الأطباء الشرعيين بمشرحة النيابة بتشريح الجثة للإجابة على تساؤلاتنا السابقة

 نتيجة تشريح الجثة


الرأس والجذع لشخص واحد

سبب الوفاة النزيف الناشئ من الجرح الذي نفذ في الظهروقد استنفد حوالي 50% من سيولة الدم وبدأت حواف الجرح متباعدة ولم يمض على الوفاة أكثر من اثنتي عشرة ساعة من تاريخ اكتشاف الجثة

أثناء ذلك قام الجاني بوضع المجني عليه على جانبه الأيمن وبدأ يذبح بالسكين بصورة آلية وبعد أن وصل إلى منتصف الرقبة من أسفل الذقن كان المجني عليه قد فارق الحياة فأكمل الذبح حتى فصل الرأس تماما عن الجسد

وضح وجود إصابات عبارة عن رضوض في الرأس أعلى قمة الجمجمة أسفل الشعر دون أن تؤثر على عظام الجمجمة ولكنها رغم حيوتها ( أي وهو على قيد الحياة ) فإنها غير مؤثرة في عظام الجمجمة .

الإصابة الموجودة في الكتف اليمنى هي إصابة بدأت حيوية أي وهو على قيد الحياة إلا أنها استكملت وقد زهقت روحه .

لم يستدل على آثار مقاومة في جسم المجني عليه

لم يستدل على وجود مأكولات في الأمعاء بما يدل على أن هناك فارقا زمنيا بعد آخر وجبة طعام تناولها المجني عليه .

تبين وجود إصابة في الأصبع الوسطى من أثر احتكاك جسم صلب كالخاتم أو الدبلة يبدو أن المجني عليه كان يضعها في هذا الإصبع وقام الجاني بإخراجها عنوة بعد قتل المجني عليه حتى لا تكتشف شخصيته من هذه الدبلة.

وجد أن لون الذراع اليمنى يميل إلى الاسمرار أكثر من الذراع اليسرى وهو نوع غير مألوف من تغير اللون ولا يرجع إلى التعرض للشمس نظرا لعدم وجود فارق في اللون في منطقة ذراع القميص إذا ما كان نصف كم ولا يوجد تعليل لهذه الملحوظة أثناء التشريح .

رجح الطبيب الشرعي أن المجني عليه كان مرتديا ثيابه حال ارتكاب الجريمة إلا أنه عقب الطعن والذبح تم تجريده من ملابسه حتى لا تكتشف شخصيته وعلل ذلك بأن كمية الدماء التي نزفها المجني عليه لا تتساوى مع بقعتي الدماء المعثور عليهما في مكان الحادث مما يشير إلى أن هناك ملابس قد تشبعت بجزء كبير من هذه الدماء وقد اختفت عقب الحادث

أثناء التشريح وضحت بعض الأمور التي تفيد في تحديد الوسط الاجتماعي للمجني عليه وهي:


-- اهتمام المجني عليه بقص أظافر اليدين والقدمين يعني أنه ليس من المهنيين ويرجح أنه من وسط اجتماعي فوق المتوسط وأنه يعايش أشخاصا من نفس المستوى تقريبا

-- ارتداء المجني عليه للباس داخلي من ( الأسلب ) يعني أنه ليس من البدو الذين يرتادون المنطقة لرعي الأغنام

-- عدم وجود تشققات في كعب القدمين يعني أن المجني عليه قد اعتاد ارتداء حذاء ويشير إلى ذلك إلى انتفاء صفته كبدوي

-- وجود طبقة دهنية سميكة أسفل الجلد مباشرة في كل أجزاء الجسم برغم نحافته يشير إلى اعتياد المجني عليه تناول الحلوى والسكريات مما يؤكد انتسابه لوسط اجتماعي فوق المتوسط

تبين بعد مناقشة الطبيب الشرعي أنه من المتصور إحداث الوفاة من شخص واحد وذلك في حالتين :

أولاهما / أن يكون بنيانه قويا

ثانيهما / أن يكون طعن المجني عليه قد تم في غفلة إما لعدم تنبهه للجاني أو لأنه كان مخدرا بعقاقير أو سوائل ويؤكد ذلك عدم وجود آثار مقاومة على جسم المجني عليه أو ظهور علامات التوتر الرمي على أعضاء الجثة أثناء التشريح

يتضح من المرحلة السابقة أن الباعث على القتل هو الانتقام ويرجح أن يكون الجاني قد قصد من وراء فصل الرأس عن الجسد ودفنه بعيدا عنه فضلا عن إخفاء ملابس المجني عليه والاستيلاء على الدبلة أو الخاتم من أصابعه هو التمويه لإخفاء شخصية المجني عليه

معنى ما تقدم أن كشف هذه الشخصية يعني إمكانية الوصول إلى الجاني وضبطه بنسبة 95% ولذلك تحددت الخطة الجديدة للتعرف على صاحب هذه الشخصية .

ثار التساؤل لقيادة فريق البحث هل في الإمكان نشر صورة المجني عليه خاصة وقد تبين من فحصها إمكانية التعرف على صاحبها

الواقع أن الإجابة بالإيجاب تعني اختلال الأمن الشعوري للمواطنين ممن سيتصادف وقوع بصرهم على هذا الخبر ولذلك رؤي تأجيل النشر في هذه المرحلة انتظارا لفحص بلاغات الغياب مع الوضع في الاعتبار إمكانية النشر على أساس العثور على شخص فاقد الذاكرة وتنشر صورة الرأس فقط .

وأثناء المحاورة حول إمكان نشر الصورة في الصحف وصل إلى مشرحة النيابة بعض المواطنين للاستفسار عن شخص غائب وبعرض الجثة عليهم تعرفوا عليها مقررين أنها خاصة بالشخص الغائب من مدة أسبوع وتبين أن من بينهم شقيقه وبمضاهاة بصماته على آثار الجثة تأكدنا أن التعرف صحيح
تبين من مناقشة شقيق المتوفي ما يلي


-- المجني عليه يدعى .............. وهو خريج كلية الخدمة الاجتماعية ويعمل محل فسخاني بمنطقة الساحل ( ومهنة المجني عليه فسخاني تفسر لنا اختلاف لون يديه عن بعضهما حيث لاحظنا أثناء التشريح ميل لون يده اليمنى إلى الاسمرار عن الأخرى وذلك لاعتياده إدخالها في براميل الأحماض الموجود بها الفسيخ ) ويمتلك عقارا مكونا من 8 طوابق وهو أعزب ولم يتهم أهله أحدا بارتكاب الحادث ، فلا توجد مشاكل بينه وبين أحد من أهله أو معارفه .

-- المجني عليه آخر مرة شوهد فيها كانت في محله بالساحل حوالي الساعة السادسة مساء ولم يكن معه أحد بالمحل

-- بمناقشة شقيقة المتوفي قررت أن شقيقها اتصل بها حوالي الساعة السابعة مساء مقررا أنه سيتوجه إلى قطعة الأرض التي اشتراها بعزبة الهجانة بمدينة نصر لمقابلة البائع .

-- بفحص موضوع هذه القطعة من الأرض تبين أنها تقع بمنطقة الحي العاشر وعلى مسافة لا تزيد على 600 متر من محل الحادث فضلا عن أنها الطريق المعتاد الذي يسلكه المجني عليه من نزوله من الأوتوبيس حتى وصوله إلى قطعة الأرض المشتراة

-- تبين أن قطعة الأرض المشتراة محرر عن بيعها مبايعة باسم ....... خطيب شقيقة المتوفي وأن هذا المشتري كان يحصل على قيمة الأقساط من المجني عليه والمفروض قيامه بدفعها إلى البائع ويسترد منه شيكات محررة عليه بقيمة هذه الأقساط

-- عند شراء هذه القطعة من البائع كان الوسيط في الصفقة هو خطيب شقيقة المتوفي والذي عرض أن يكون الشراء باسمه نظرا لمعرفته بالبدوي الذي يعرض الأرض حتى لا يزيد ثمن الشراء أكثر ووعد بأنه بعد سداد الأقساط كاملة وحصوله على مبايعة الشراء من البائع سيقوم بنقل الملكيةإليه بمبايعة أخرى

-- بفحص موقف هذا الوسيط تبين أنه يدعى ....... وأنه زميل المجني عليه في كلية الخدمة الاجتماعية وأنه تقدم لخطبة شقيقة المجني عليه وتمت فعلا وأنه على وشك عقد القران والزفاف وأنه يرتبط بعلاقة صداقة قوية بالمجني عليه وأنه يثق به إلى الحد الذي جعله يوافق على أن يتم الشراء مبدئيا باسمه برغم قيامه بسداد قيمة الأقساط على وعد بنقل الملكية بعد ذلك باسمه

-- اتضح من مناقشة مالك الأرض الأصلي أن البيع تم بينه وبين خطيب شقيقة المجني عليه وأنه لا يعلم شيئا عن هذا الأخير وإن كان قد تقابل معه أكثر من مرة كزائر لقطعة الأرض أثناء عملية البيع وأن البيع تم بالتقسيط وتحررت شيكات بقيمة الأقساط وأن المشتري لم يقم بتسديد الأقساط في مواعيدها

-- بمناقشة أهل المجني عليه قرروا أنهم يعرفون أنه كان يحافظ على دفع الأقساط وأنهم لم يسمعوا أنه تأخر في سداد أي قسط لأي جهة دائنة

-- بالبحث في حجرة المجني عليه ومكتبه تم العثور على عدد من الشيكات باسم خطيب شقيقة المتوفي وصادرة لصالح البائع

-- بمواجهة بائع الأرض بهذه الشيكات قرر أنها غير موقعة منه وأظهر الشيكات المتأخرة الموقع عليها المشتري حيث أنه لم يقم بدفع قيمة الشيكات المتأخرة ز

-- باستدعاء المشتري من عنوانه تبين أنه قد غادر إلى الاسكندرية ولم يستدل على محل إقامته بالإسكندرية

بإجراء التحريات لدى أصدقاء ومعارف المشتري تبين أنه تردد على بعضهم وأنه قد شوهد منذ أيام قليلة لدى أحدهم مما يشير إلى أنه لم يغادر القاهرة

-- بمناقشة شقيقة المجني عليه وخطيبة المشتري قررت أن خطيبها قد اتصل بها تلفونيا بعد انصراف شقيقها من المحل بحوالي ثلاث ساعات وأنه أبلغها بصوته أنه صديق المجني عليه وأنه طلب إليه إبلاغ أهله بأنه سيسافر إلى الاسكندرية لقضاء بعض المصالح وأنها متأكدة من أن هذا الصوت هو لخطيبها برغم أنه لم يفصح عن كونه خطيبها فإنها متأكدة من ذلك .. واضافت أنها اعتادت تلقي مكالماتها التلفونية من خطيبها لدى أحد أصدقائه بالسيدة زينب وتعرف رقم هذا التلفون .. فأسرعت بالاتصال بهذا الصديق وسألته عما إذا كان خطيبها موجودا لديه أم لا وعما إذا كان قد اتصل بها فأفادها بأنه كان لتوه عائدا من خارج المحل وأنه قد شاهده فعلا يضع سماعة التليفون عند مشاهدته له داخلا إلى المحل

-- بالبحث عن هذا الشخص في جميع الأماكن التي يتردد عليها تبين اختفاؤه .. وأمكن تحديد أحد الأصدقاء الذي أقام لديه المذكور بمنطقة بولاق الدكرور بالجيزة وتمت مداهمة هذا المسكن فجرا حيث تم ضبط هذا الشخص وكان في حالة عصبية وقد أمسك رقبته بكلتا يديه ولم يكن أمامه إلا أن يعترف تفصيلا بقتل المجني عليه على النحو التالي :

* يوم الحادث توجه إلى المجني عليه حيث تناقشا معا في موضوع الأرض وأبدى المجني عليه رغبته في الحصول على المبايعة باسمه بعد أن انتهى من سداد قيمة الأفساط جميعها فوافقه الجاني على التوجه إلى صاحب الأرض للحصول على المخالصة النهائية منه بقيمة الأقساط واتفقا على أن يتقابلا في ميدان التحرير الساعة السابعة والنصف مساء بعد أن يغلق المحل

* توجه الجاني إلى منزله حيث قام بأخذ سكينة المطبخ معه وتوجه إلى ميدان التحرير حيث انتظر المجني عليه واستقلا الأتوبيس إلى منطقة الحي العاشر وأثناء سيرهما في الطريق إلى الأرض قام بمغافلته وطعنه بالسكين في ظهره طعنة واحدة فسقط على الأرض ونزفت الدماء منه بغزارة فخشي أن يستغيث فقام بإخراج السكين من موضع الطعن وهوى بها على الجثة حيث كان ينزف وقام بفصل رأسه عن جسده وأخفى الرأس في الرمال في حين جذب الجسد إلى مكان بعيد عن موقع الدماء حتى لا تثير الاهتمام وقام بتجريد الجثة من الملابس والحذاء والخاتم فوضع الخاتم في يده وألقى بالملابس الملوثة بالدماء في صندوق قمامة في الطريق العام واحتفظ بالحذاء في مسكنه بجوار انبوبة البوتوجاز في المطبخ وقام بغسل ملابسه من الدماء في منزله

في حوالي الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل ترك سكنه لشراء طعام العشاء وعند عودته فوجئ بقوات من الشرطة تحاصر المنزل فاعتقد أنها حضرت للقبض عليه فترك منطقة سكنه حيث أقام لدى صديق له بمنطقة بولاق الدكرور وكان يشعر أن الشرطة تطارده في كل مكان منذ هذه اللحظة .. والحقيقة أن قوات الشرطة كانت قد حضرت في التوقيت المشار إليه بقصد تنفيذ أمر بطرد إحدى الجهات من مقرها وليست بقصد القبض على الجاني

-- ارشد الجاني على الحذاء الخاص بالمجني عليه وبعرضه على اسرته تعرفوا عليه كما تعرفوا على الخاتم الذهب الذي استولى عليه الجاني وكان يضعه في يده ولم نتمكن من ضبط الملابس الخاصة بالمجني عليه في صندوق القمامة المشار إليه لتكرار تنظيفه من الجهة المختصة

-- بعرض ملابس الجاني التي كان يرتديها أثناء ارتكاب الحادث على المعمل الجنائي وتعريضها للأشعة فوق البنفسجية تبين أنها مغسولة من آثار دماء كانت عليها

قررت النيابة العامة حبس المتهم احتياطيا تمهيدا لتقديمه للمحاكمة بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والمقترن بجناية سرقة

الدروس المستفادة من البحث في هذا الحادث



1- إن تبادل المعلومات بين الطبيب الشرعي الذي يقوم بالتشريح وبين قيادات فريق البحث الجنائي أثناء عملية التشريح مهمة إلى أبعد الحدود فهي تمثل ( سيناريو ) سابقا للضيط ولاحقا للجريمة مما يشكل القصة متكاملة لكيفية ارتكاب الجريمة

2- إن البحث في الأوراق الخاصة بالمجني عليه عند التعرف عليه من الأهمية التي لا تقل عن أهمية البحث في أوراق المشتبه فيهم فقد يعثر على أوراق تحدد شخصية الجاني وهي في هذا الحادث كانت الشيكات التي اتضح أن الجاني قد اصطنعها لنفسه لإيهام المجني عليه أنه يقوم باسترداد الشيكات الموجودة لدى البائع على خلاف الواقع

3- البحث في الأماكن القريبة من الجثث المعثور عليها تفيد في الكشف عن شخصية أصحابها فقد كان العثور على رأس المجني عليه على مسافة من مكان دفن الجذع بمثابة الضوء الأخضر في البحث عن الحادث

4- الدقة في تفتيش منازل المتهمين والمشتبه بهم فضلا عن السرعة تؤدي إلى العثور على الأدلة ويظهر ذلك في هذا الحادث من ضبط الحذاء الخاص بالمجني عليه

5- تدعيم الأدلة والدلائل الجدية والعملية في التعامل مع المتعلقات في الحوادث فتعريض وفحص ملابس الجاني بالأشعة فوق البنفسجية دعم من اعترافه حيث أشار إلى أنها ملوثة بالدماء وأنها قد غسلت حديثا

6- تشعب خطوط البحث في الحادث وعدم إهمال أي معلومة ترد إلى فريق البحث لا يعني بعثرة فكر المجموعة القائمة بفحص الحادث طالما كانت القيادة ممسكة بزمام الموقف . ففي هذه الواقعة وردت معلومات عن مشاجرة بين بعض الفرق المتنازعة على بيع أراض في المنطقة بل أن إحدى هذه المشاجرات قد جرت على أرض مكان دفن الجثة في الليلة السابقة عن الحادث وأصيب فيها بعض الأطراف وتوعد الطرف الآخر بالانتقام إلا أنه تم تحديد جميع الأشخاص المشاركين في المشاجرات وباستدعلئهم لم يتبين وجود غائبين

7- عدم الاعتماد على تعرف أحد على الجثث في المشرحة بل يجب التأكد من أن هذا التعرف صحيح فلو تم الاعتماد على الشخص الذي تعرف على جثة المجني عليه لتم دفنها على أنها لنجله ولما أمكن تحديد الجاني في الحادث ولضاعت معالم الجريمة كاملة
 


ليست هناك تعليقات: