السبت، 6 نوفمبر 2010

عاشق التراث فيصل سالم


عاشق التراث فيصل سالم النزاوي


في هذا المكان تجد الماضي والحاضر والقديم والجديد والأصالة والمعاصرة

غيابي عن مدينتي ينبع زاد من ولعي بماضيها وحبي لتراثها


في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات المحبة مطالبة بإنشاء دار للتراث أو متحف وطني يحافظ على ماتبقى من موروث جميل استطاع رجل من بلدي أن يجمع الماضي والحاضر والقديم والجديد والأصالة والمعاصرة في استراحة ملحقة بمنزله
دعاني الصديق أبو سفيان لرؤية هذه الاستراحة بعد أن نسق مع صاحبها عاشق التراث وابن ينبع البار الرائد فيصل سالم الجهني .. ذهبت معه حتى أوقف سيارته بجانب إحدى الفلل في حي البندر لا يختلف شكلها عن مثيلاتها في الحي إلا بمزيد من الفخامة ، وعندما دلفنا البوابة الخارجية لفناء الفيلا انقطعت صلتنا فجأة بكل مايمت للحاضر بصلة ، وانفتحت أمامنا كوة نطل منها على الماضي الجميل فهذه منازل ينبع القديمة برواشينها العالية ومشربياتها الجميلة ، وهذه القناديل و الأزيار والشراب وهذه عين الماء وهذا البئر والدلو والساقية وهذا بيت الشعر والدلال والوجار والرحى ، وكل ماتراه يشدك نحو ماض عريق ويعرض لك بيئة متناغمة تسر العين وتشرح الصدر
وكان مضيفنا كريما فتح لنا قلبه وبيته وعقله ،فكان لنا معه هذا اللقاء



بادرته منبهرا : ما هذا الذي نراه ؟
قال مبتسما هو تزاوج التاريخ والجغرافيا

ولكن كيف تولدت الفكرة ؟
أنا ابن ينبع وفيها مواطن صباي ومراتع طفولتي ، ومازلت اذكر أزقتها الترابية ومبانيها الحجرية وحواريها القديمة وبعضا من ذلك الزمن الجميل الذي لا يعترف بالفواصل بين بيت وبيت أو بين جار وجار فكل البيوت بيوتنا وكل الآباء آباؤنا وكل الأمهات أمهاتنا ، وفي الغربة باتت هذه الصورة ماثلة في خيالي ، وضربت جذورها في شغاف القلب عشقا للسكان والجدران





حدثنا عن الغربة
غبت عن ينبع من تاريخ 1409هـ عندما التحقت بالكلية البحرية بالجبيل وفي عام 1412هـ صدر تعييني ضابطا (معلم بمعهد حرس الحدود بجده) وفي عام 1422هـ انتقلت الى منطقة تبوك ومكثت فيها إلى أن انتقلت إلى ينبع في 1/8/1425هـ وطيلة هذه الفترة وحب هذه البلدة يعتمر الفؤاد ويبعث الشجى والحنين ، وحينما استقر بي المقام كان شغلي الشاغل هو أن أجسد صورة الماضي الجميل الذي عايشته سايقا في الحاضر الزاهي الذي أعيشه حاليا اعتمادا على ماتركه هذا الماضي في تفسي من انطباع جميل تبرز أجمل مظاهره في بساطة الناس وطيب سجاياهم وسلامة طواياهم فكانت هذه الاستراحة

بم توحي لك هذه الأجواء ؟
هذه الأجواء تعيدني إلى ذلك الزمن الجميل ، وتفتح لي نافذة أتطلع منها إلى مرابع الصبا ومراتع الطفولة وأنا بطبعي أحن إلى هذا الماضي وأعشق هذه الدور التي عاش فيها آباؤنا وأجدادنا وأستوحي مما أراه الكثير من القيم التي اندثر معظمها بفعل الحضارة الحديثة ومجرد النظر إليها يمنحني إحساسا بالراحة والمتعة فتجدني أقف أمامها بالساعات تأملا واستدعاء ذكريات وكنت لاأترك مناسبة إجازة إلا وأزور فيها ما تبقي من هذه المنازل وأتخيل أجدادنا وهم يكابدون قسوة الحياة وشظف العيش ورغم ذلك استطاعوا أن يخرجوا لنا مثل هذه الروائع الخالدة من النقوش الفريدة في الرواشين والمشربيات



كم أخذت من الوقت في بناء هذه الاستراحة ؟
أخذت ما يقارب العشرة شهور ، وكان عملي بها متزامنا مع إنشاء الفيلا الخاصة بي ولكن اهتمامي بهذه الاستراحة كان أكبر ، والجهد الذي بذلته أكثر

هل واجهتك صعوبات في إنشائها ؟
الصعوبات تكمن في قلة الأيدي العاملة المدربة التي تتقن البناء القديم ، وعدم قدرتها على تخيل طرز البناء وعدم توفر مواد البناء القديمة ، ولذلك فلا بد من وجودي دائما ومتابعتي لكل صغيرة وكبيرة فالعماله الاجنبيه التي قامت بالبناء لا تعرف ما أريد فعله من بناء ورواشيين وشبابيك وأبواب ... الخ كما واجهتني أيضا مشكله الطبقه الخارجيه للمباني حتى ظهرت بهذا اللون الطيني القديم ،وايضا تلوين الأبواب والرواشين لم تظهر بهذا اللون العتيق الا بعد خوض أكثر من تجربه






ولكن كيف استطعت أن تكتسب هذه الخبرة وأنت كما يبدو لم تعاصر أساليب البناء القديمة؟
نعم انا صغير السن ولكني لحقت بشيئ قليل من الماضي واستعنت كثيرا بالوالد والوالدة والعم عبدالله باجنيد اطال الله في اعمارهم وكنت اخذ منهم الأفكار والاقتراحات .. ولا أنسى أخي الأستاذ/ أحمد الجهني الذي كان ملازما لي بشكل دائم فهو يعشق التراث مثلي وقمنا معا بكثير من الزيارات المتعدده للأماكن القديمه كما قمنا بتصويرها للاستفاده منها حتى ظهرت الاستراحة بهذا الشكل المشرف

والآن وقد تكونت لديك الخبرة العملية من خلال بناء هذه الاستراحة ، هل يمكن أن تقدمها للمساهمة في إحياء بعض الحواري القديمة ؟
ليس لدي أحب من ذلك فقد أصبح لدي الآن فكره متكامله عن كل شىء بل أنني أتمنى أن تتاح لي فرصة الاشراف على بناء حي متكامل مثل الاحياء القديمه الموجوده حاليا وأطالب أبناء ينبع بالمساهمه في بناء سوق متكامل كالأسواق التي كانت موجوده سابقا مثل ( سوق الليل ) ليصبح معلما من معالم مدينة ينبع يرتاده الزوار والمتنزهين ، وأنا على أتم الاستعداد للمساهمة في ذلك





ألم تفكر في إتاحة الفرصة لعاشقي التراث لزيارة هذه الاستراحة أو تأجيرها مثلا ؟
أنا عاشق للتراث ، ويسعدني أن أرحب بكل عاشق مثلي للمشاركة والاستمتاع وإبداء الرأي والمشورة ، أما بالنسبه لموضوع تأجير الاستراحه فلا أخفيكم أنني فكرت في هذا الأمر فعلا بعد طلب وإلحاح من بعض الأصدقاء ، ولكن كما ترى الاستراحه تحتوي على تحف وشراب وفوانيس وكثير من المقتنيات الثمينة ، وتأجيرها قد يؤدي إلى عبث الأطفال بهذه المحتويات .
ولذلك فأنا لا أمانع من تأجيرها على أن يقتصر ذلك على المناسبات الرجاليه والنسائيه فقط والخاليه من الأطفال





ماسبب التسمية ( استراحة الأصالة ) ؟
قمت بتسمية استراحة الاصاله بهذا الاسم لان الاسم موجود قبل الاستراحه فالاصاله مقرونه بالتراث والماضي فلا يوجد اسم يناسبها الا هذا الاسم وهو عنوان وليس اسم.



هل من كلمة أخيرة ؟
يسرني أن أحمد الله عز وجل وأشكره على أن وفقني كما أشكر الذين ساعدوني على بناء هذه الاستراحه سواء بالافكار والاقتراحات أو أي مساعدات أخرى كما أتوجه بالشكر والتقدير والعرفان لقادة المجالس الينبعاويه وعلى رأسهم الأستاذ الفاضل / عواد الصبحي والاستاذ الفاضل/ أحمد ظاهر الجهني على هذه الزيارة الكريمة وهذه التغطية التي تدل على حبهم واهتمامهم بالتراث الأصيل .. وأتمنى أن يسعى كل ابن من أبناء ينبع على الرفع من مستوى هذه المدينة بأي شىء يستطيع عمله كما أرجو من المسؤلين وعلى رأسهم رئيس بلدية محافظة ينبع ومدير ادارة التربيه والتعليم بالمحافظه على ما تبقى من التراث والمساهمه في بناء حي متكامل من الاحياء القديمه مزود بسوق تباع به الاثار والمقتنيات القديمه بالاضافه الى الارزاق والمأكولات الشعبيه ليكون معلما تراثيا تهفو إليه الأفئدة وترتاح لمرآه النفوس



القديم في الخارج والحديث في الداخل

ليست هناك تعليقات: