الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

الصويدرة ـ ذكريات وانطباعات

 ذكريات وانطباعات

1ـ الصويدرة التي أعرفها

قرية تقع على طريق المدينة المنورة القصيم ، وتبعد عن المدينة المنورة مسافة خمسين كيلو مترا تقريبا تقطعها السيارات في أقل من ساعة ، ولكنا حينذاك كنا نقطعها بخمس ساعات أوتزيد !! والسبب أن الطريق يومها لم يكن مزفتا كما هو الآن وكان عبارة عن حرة سوداء متواصلة ، تسير فيها السيارة بسرعة عشرة كيلومترات فقط أو أقل من ذلك ، وعندما تسير السيارة فإنها تثير غبارا أحمر في بعض المناطق يضطر سائق السيارة معه أن يتوقف عن المسير حتى يهدأ هذا الغبار . وكانت الوسائل الموصلة لها هي سيارات النقل المرسيدس ويطلق عليها سكان الصويدرة اختصارا ( المور ) ، المتجهة إلى القصيم إذ لم يكن في الصويدرة حينها سيارات سوى سيارات مركز الأمارة ( جيب وونيت ) وسيارة جيب تابعة للشرشورة ، وكنا ندفع للمشوار إلى الصويدرة مبلغ خمسة ريالات وتعادل مائة ريال اليوم  وأول ما يقابلك من مباني الصويدرة هو مبنى المدرسة  وتعود ملكيته للشيخ سويعد عواض السحيمي ويكون على يمين الخط وعلى يساره حرة سوداء تدور حولها السيارات ثم تتجه شمالا حتى تصل إلى منطقة السوق بعد أن تقطع واديا في منتصف المسافة بين السوق وحارة السحمان  وكان في الصويدرة يوم ذاك أربع حارات هي

1ـ السحمان وهي الحارة التي نقطن فيها ويوجد فيها مبنى المدرسة ، ومركز الأمارة .

2ـ حارة السوق ، وهي المنطقة التجارية وكانت حينذاك تعج بالحركة والحياة إذ يوجد بها ثلاثة عشر مقهى وثلاث عشرة بقالة وعشرة جزارين وعشرة مخابز وسبعة مطاعم كبيرة ومحطة بنزين وجامع كبير ، وكانت الحركة فيها لا تهدأ لا ليلا ولا نهارا ، ويعود السبب إلى أن جميع السيارات المغادرة من المدينة تقف في هذه المحطة ، وكذلك السيارات القادمة ، وفي مواسم الحج تزداد الحركة وتكثر المقاهي المؤقتة لأن جميع الحجاج يستريحون بها يوما أو يومين قبل أن يواصلوا رحلتهم للمدينة المنورة ، كما يوجد بها حينذاك أماكن لنزول المسافرين واستراحتهم ، وقد اتخذناها للسكنى ثلاثة أيام في أول وصول لنا للصويدرة قبل أن نستأجر دار العم شلوه السحيمي بجوار مركز الأمارة . كما يوجد بهامستوصف صحي يقوم عليه ممرض كنا نعده حينها طبيبا ونلقبه بالدكتور

3ـ المظبر وهو منخفض من الأرض في الناحية الشمالية من الصويدرة يفصل بيننا وبينه حرة من الصخور السوداء و في أحدى المرات استجبنا لدعوة من أحد أولياء أمور الطلاب الذين يدرسون عندنا لتناول الغداء في المضبر فاضطررنا إلى السير فوق هذا الصخور مسافة ليست بالقليلة ثم الهبوط إلى منطقة السكنى بما يشبه المغامرة المشوبة بالمخاطر، واستغربنا كيف أن طلابنا من هذه الحارة يقطعون هذه المسافة يوميا بكل سهولة

حدر وهي حارة جنوب الصويدرة

وللعلم فجميع هذه الحارات خارج الصويدرة الآن وهي باقية على حالها تقريبا وقد فوجئت حين زيارتي للصويدرة قبل سنتين أنها لم تتغير كثيرا عما تركتها عليه ، وعجبت لذلك ، ولكن زال عجبي عندما اكتشفت أن هناك مدينة جديدة قد أنشئت خلف الجبل الشرقي بمبان حديثة ، وشوارع منظمة وخدمات أرقى .

2ـ الصويدرة عام 1387هـ
تم تعييني وزميلي الأستاذ ابراهيم أبو جلاس معلمين في الصويدرة عام 1387 هـ ، خرجنا من إدارة التعليم نسأل عن موقف الصويدرة فدلونا على قهوة باب الشامي شمال المستشفى العام ، وصلنا إليها وأخذنا نسأل من في القهوة بكل براءة عن الصويدرة ، وأين تقع ، وكم تبعد عن المدينة فانبرى لنا شخص وقال كأنكم مدرسين ؟ قلنا نعم . قال أهلا وسهلا بكم ، وجدتم بغيتكم أنا أذهب بكم إليها .. بكم قال بخمسة عشر ريالا للشخص ثم خفض المبلغ إلى ثلاثة عشر ريالا تكرما .. ركبنا معه في غمارة وايت ديزل وكانت وجهته عفيف بطريق القصيم كما قال لنا ، وأخبرنا أنه لا توجد سيارات توصل للصويدرة مباشرة ، وقد قطع بنا المسافة في سبع ساعات تقريبا ، واكتشفنا بعدها أنه استغفلنا بطريقة عجيبة إذ أن الأجرة لا تتجاوز خمسة ريالات بأي حال من الأحوال ، والخمسة ريالات تعادل مائة ريال هذه الأيام ، وقس عليها الستة والعشرين ريالا التي أخذها منا نتيجة لسذاجتنا ولكنها على أية حال كانت درسا بأن لا نسأل بعدها من لا نعرفه من السائقين عن وجهة يقومون بالتوصيل إليها .
وصلنا إلى الصويدرة ليلا ونزلنا في قهوة لرجل  يمني فاضل اسمه يحي الحرازي ، استقبلنا بترحاب بالغ وأسكننا في غرفة مفروشة ملحقة بالقهوة معدة لسكنى المسافرين ، وأخبرنا أن المدرسين يسهرون كل ليلة في هذه القهوة ، وسوف يحضرون بعد قليل ، وفعلا حضروا وعرفنا عليهم ، فرحوا بنا ، وطمأنونا بأننا سوف نرتاح في هذه القرية فأهلها طيبون ، وكل شئ بها متوفر ، ولن تشعروا فيها بالوحشة ، وقد لاحظنا ذلك فعلا من حركة السيارات والمسافرين التي لا تهدأ طوال الليل .
وفي الصباح ذهبنا إلى المدرسة وتعرفنا على المدير كان رجلا فاضلا شهما من خيبر اسمه عيسى يوسف رشيد  سلمناه خطابات التعيين ، وطلبنا منه السماح لنا بالبحث عن بيت .. فقال اطمئنوا المساكن متوفرة ، وقريبة من المدرسة ولن تحتاروا . خرج معنا أحد المدرسين وأرانا إياها عبارة عن غرف كالدكاكين منفصلة ملاصقة للمدرسة من الجهة الشرقية ولكل غرفة باب ونافذة صغيرة مفتوحة لا يتجاوز عرضها 50 في 50 سم في الجهة المقابلة ، قلنا هل نسكن هنا ؟ قال نعم وقد أنشأها مالك المبنى خصيصا لسكنى المدرسين ، قلنا وهل المدرسون جميعهم ساكنون هنا ؟ قال نعم تلك الغرفة لي أنا وزميل آخر ، وتلك لزميلين آخرين ، وتلك ، وتلك ..
قلنا ألا توجد مساكن مكونة من غرفتين فأكثر ؟ قال بلى ، ولكنها في الحارة ، وبعيدة عن المدرسة ، وهي في العادة مخصصة لسكنى المتزوجين ، والعازب لا يحتاج لزيادة الغرف
المهم أنها لم تناسبنا ، وعندما عدنا إلى صديقنا يحي أخبرناه بذلك وطلبنا منه أن يبحث لنا عن بيت مكون من غرفتين أو ثلاثة غرف وله فناء وباب ، فدلنا على العم شلوة السحيمي كان له دكان بجوار قهوة يحي وذهب معنا إليه فرحب بنا كثيرا وقال عندي ما تطلبون فاستأجرناه منه بمبلغ عشرين ريالا في الشهر ، كان مجاورا لمركز الأمارة من الناحية الشرقية .
كان البيت مقسوما إلى قسمين قسم به غرفتان وحمام ، وقسم به غرفة واحدة ويفصل بين القسمين جدار له باب ، وكان ملاصقا لمنزل المدير الذي هو أيضا ملك لشلوة .
لم نستخدم من هذه الغرف سوى غرفة واحدة مما جعلنا نتأسف على أننا لم نستأجر إحدى الغرف التي عرضت علينا ، وبخاصة أن المدرسين هناك يجتمعون دائما ، ويلعبون الكرة الطائرة عصرا ويسمرون ليلا ، وكنا نسمر عندهم ليليا ثم نضطر إلى أن نسري في ليل بهيم .ولم نمكث على هذا الحال في منزل شلوة سوى ستة شهور ثم انتقلنا إلى واحدة من هذه الغرف بجوار زملائنا .
مبنى المدرسة يقع في الجهة الجنوبية الغربية من الصويدرة ، في حي السحمان ، وهو أول مبنى تقع عليه عينك من مباني الصويدرة علي يمين الطريق الفاصل بينه وبين الحرة يحتوي على سبع غرف ثلاث في الجهة الغربية مخصصة للصفوف الأول ، والثاني ، والثالث ، وثلاث في الجهة الجنوبية مخصصة للصفوف الرابع والخامس والسادس وغرفة للإدارة في الركن الشمالي الشرقي ، وفناء ، وهو مبني من الطين وأرضيته ترابية ، وبجوار غرفة الإدارة من الخارج حمام مخصص للمدرسين الذين يسكنون في الغرف الملاصقة للمدرسة ، وعدد هذه الغرف أربعة بالإضافة إلى منزل (غرفة وحوش) كان يقطنه فراش المدرسة ( متزوج ، وليس من أهل الصويدرة ) .. والمساحة التي بين الغرف أحالها المدرسون ومن يزورهم من أهالي القرية ليلا ساحة للسمر ، وأمام المبنى من الناحية الشمالية ملعب للكرة الطائرة ، وبجوار الملعب ماسورة لجلب الماء من مزرعة قريبة للشيخ سويعد عواض السحيمي ، وسويعد هذا رجل فاضل يمتلك عقلية تجارية فذة ، ولو كان في غير الصويدرة لأصبح من كبار رجال الأعمال هو صاحب المبنى ، وصاحب الغرف ، وهو أول من عمل شبكة مياه في الصويدرة حيث استغل قرب مزرعته من الحرة فبنى فوقها خزانا كبيرا ، يملؤه من بئر مزرعته ، ووزع منه أنابيب إلى الأحياء القريبة وبخاصة المدرسة وغرف المدرسين ، و يأخذ على كل غرفة مبلغ ثلاثة ريالات مقابل الماء ، ومبلغ ستين ريالا من المدرسة ، وعندما طلب رفع سعر استهلاك المدرسة من الماء حصلت قصة طريفة سأرويها لكم قريبا إن شاء الله .
والصويدرة بلد خيرات فعلا ، وكل شئ فيها متوفر كما قيل لنا في البداية ، وأرضها خصبة جدا ، تشتهر بالنخيل و يزرع أهلها الطماطم التي يجففونها ويحفظونها في أكياس ويبيعونها هكذا .. كما يزرعون البامية والقرع والخربز والخيار ، وللخيار فيها مذاق آخر لم أذق مثل حلاوته أبدا هو صغيرورفيع يطلقون عليه ( الرفيّعه ) . أما البيض فكنا نشتري العشرين منه بريال واحد ثم تناقص حتى وصل إلى الخمس عشرة بريال .
وكان الجيران يأتون لنا باللبن ، والزبد والسمن والإقط في كل حين .. وكان الكرم فيهم سجية لا تكلفا .. بارك الله فيهم وجزاهم خير الجزاء

 
 
وإلى حلقة قادمة إن شاء الله .

 

ليست هناك تعليقات: