الاثنين، 29 نوفمبر 2010

ملك القلوب

تعود بي الذاكرة إلى العام 2005 م عندما قام خادم الحرمين الشريفين بزيارة ميمونة لمحافظة ينبع وضع خلالها حجر الأساس لمشروع ينبع 2 كان حينها وليا للعهد وكان في استقباله في الحفل المعد له في خليج رضوى فرقة ينبع للفنون الشعبية بأهازيجها الفلكلورية الجميلة وما أن أطل بطلعته البهية حتى فاجأ أفراد الفرقة بالتفاعل مع أهازيجهم والتلويح لهم بيده على إيقاع أنغامهم حتى أزال حاجز الكلفة وأدخل الجميع في فرح غامر شاركه فيه المستقبلون ومجموعة الأمراء المصاحبين .. حينها لم يملك رئيس الفرقة عواد محمد ناصر إلا أن يقول بتلقائية عجيبة ( الله يجبر خاطرك جبرت خواطرنا يا شيخ ) وكانت هذه العبارة لسان حال الجميع ليس في هذه المناسبة فحسب ولكن في كل المناسبات الشعبية التي يحضرها خادم الحرمين الشريفين فينثر في أجوائها الفرح والسرور
وعندما كان نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني كنا نسمع ما لا نستطيع أن نتصوره من تعامله مع أفراد الحرس الوطني وما يروونه عنه من حب وألفة يخصهم بها وهو يسامرهم في كثير من الليالي التي ينتظرون قدومه فيها بفارغ صبر وكنا نظن أنهم يبالغون .. حتى بدا لنا ما أثمر عنه هذا التعامل الراقي من تحويل الحرس الوطني من مجموعة من المجاهدين مع والده الملك عبد العزيز طيب الله ثراه إلى جيش نظامي مدرب كامل العدة والعتاد يضاهي أفضل القطاعات العسكرية في العالم ويتمتع أفراده بثقافة عالية ومستوى اجتماعي رفيع
وعندما أصبح وليا للعهد رأينا في استقبالاته للمواطنين ما زرع الدهشة في العقول والقلوب فهذا الرجل العظيم قدرا ومقاما يستمع إلى المواطنين باهتمام ويتبادل الحديث معهم بأريحية ويقرب الكرسي للشيخ الطاعن في السن ويمسك بيده ليساعده على الوقوف أو الجلوس بحنو ورأفة ولا ينصرف عنه حتى ينصرف هو
وفي احتفالات البيعة في مكة المكرمة رأيناه يمازح المواطنين ويأخذ رغيف الخبز (التميز ) من يد صانعه فيقتطع منه قطعة يأكلها ويناول الباقي لمرافقيه بعيدا عن قيود البروتوكول ولكم أن تتخيلوا وقع هذه البادرة في نفس الصانع والرائي والمتابع
وعندما استقبله الأطفال في إحدى الاحتفالات وأخذوا ينثرون الورود في طريقه وبين يديه صار يأخذ الورد من سلالهم وينثره عليهم بأبوة وحنان
وفي إحدى المناسبات الرياضية في استاد الملك فهد أطلقت أسراب من الحمام فضلّت حمامة طريقها ودخلت المنصة الملكية فمد يده إليها برفق وتؤدة وأمسكها بحرفنة وأطلق سراحها لتلحق بالسرب
وفي مرضه الأخير لم تفارق البسمة شفتيه وهو يروي قصة مرضه ويقول : بعض الناس يقول أنه عرق النساء والنساء لا يأتي منهن إلا الخير
ما هذه الكاريزما الملكية والشفافية المثالية في التعامل مع الشيخ والطفل والشاب والمرأة ؟ حتى الطير لم يحرم من إنسانيته الفريدة وأخلاقه الحميدة .. في تصرفات لم نعد نسمع عنها إلا في بطون الكتب من أخبار السلف الصالح
هذه الملامح التي تظهر منه في المناسبات العامة هي بعض ما يعتلج في صدره وما تكتنزه جوانحه من مشاعر إنسانية وود عميق لكل فرد من أفراد شعبه الوفي الذي أصبح يبادله حبا بحب ووفاء بوفاء ولا أعلم فيما أعلم لا رجلا ولا امرأة ولا طفلا إلآ وهو يكن له الحب ويحمل له في قلبه الكثير من مشاعر الود وحتى المناوئين للمملكة والموتورين عليها يقولون عنها ويتقولون عليها بما يعن من افتراءات حتى يأتي الحديث عنه فيحجمون لأنهم لا يستطيعون أن يواجهوا هذا التيار الجارف من الحب المتغلغل في النفوس فمثل هؤلاء عادة يعزفون على وتر الشعوب فيما تحب وتكره وشعب المملكة كله مجمع على حبه بما لا يدع فرصة لظهور نغمة نشاز أن تتسلل فتعكر أجواء المودة والصفاء
هذا الملك العادل أعاد لنا سيرة الخلفاء الراشدين وقد رأيناه يفعل كما يفعلون .. يتفقد الرعية ويتجول في بيوت الفقراء ويتناول من طعامهم ويتحدث عن آلامهم وأحلامهم ويعاهد الله على أن يعمل على رفع معاناتهم
وهل رأيتموه في احتفاء منطقة القصيم عندما قدم أبناء الشهداء الذين قضوا في مواجهة الإرهابيين للسلام عليه كيف احتفى بهم وقبلهم واحداً واحدا وكيف تحركت لديه مشاعر الأبوة الصادقة فلم يستطع كف دموعه التي انهمرت على وجنتيه فأجهش بالبكاء وأبكى معه الملايين
يا الله .. أي قلب يحمله هذا الرجل بين جنبيه وأي روح سامية تعتمر إهابه فتتفجر من خلالها هذه اللمحات الإنسانية التي قل أن تتوفر لغيره من بني البشر
وقد ترجم هذا الحب بأن حقق لشعبه العديد من الانجازات المهمة فقد تضاعفت أعداد جامعات المملكة في عهده من ثماني جامعات إلى أكثر من عشرين جامعة وافتتحت الكليات والمعاهد التقنية والصحية وكليات تعليم البنات. وأنشئت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والعديد من المدن الاقتصادية كمدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل ومدينة جازان الاقتصادية ومدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة إلى جانب مركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض.
واتسم عهده بسمات حضارية رائدة جسدت ما اتصف به رعاه الله من صفات نادرة أبرزها تفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه بأجمعهم في كل شأن وفى كل بقعة داخل الوطن، وها نحن نرى مشاريع الإسكان الخيرية التي اضطلع بتأسيسها لكثير من أبناء القرى الذين كانوا يفترشون الثرى ويلتحفون السماء وقد غدت اليوم مدنا مأهولة مكتملة المرافق في ثول وفي خليص وفي النباة والشبعان والحسي وفي غيرها من مناطق المملكة
إضافة إلى حرصه الدائم على سن الأنظمة وبناء دولة المؤسسات والمعلومات في شتى المجالات . وإيجاد حلول تنموية فاعلة لمواجهة الكثير من التحديات
هذا كله في الشأن الخارجي .. أما في القضايا الخارجية فقد منحه الله فكرا صائبا ورأيا سديدا وحكمة بالغة وما زلت أذكر قمة الدوحة التي امتنع الرئيس حسني مبارك عن حضورها فانبرت الصحف ووسائل الإعلام حينها تنتقد هذا الموقف من الرئيس وتحرض السياسيين على إدانته
عندها وجه له أحد الإعلاميين سؤالا ملغوما حول رأيه في امتناع الرئيس حسني مبارك عن الحضور فقال ببديهة حاضرة : صعب .. عدم حضور أخي حسني صعب !!
فبهت الإعلامي ولم يعرف هل هي صعوبة على القمة أم على حسني ! يا لها من لياقة ولباقة تأتي هبة ربانية يمنحها الله من يشاء .. لم ينتقد ولم يأت في صف من أراد الاستعداء وإنما أعطى جوابا مختصرا ومفيدا يركز على دور مصر ومكانة رئيسها مع الإشارة الضمنية بأنه لا يحبذ هذا الامتناع
ألا يحق لنا بعد ذلك أن نفخر بهذا الملك الإنسان وأن تهتز قلوبنا وترتاع أفئدتنا عندما نسمع خبرا يتعلق بصحته جعلت أرواحنا كلها فداه
وقد رصدت وسائل الإعلام كيف اعتصر الألم قلب كل فرد من أفراد الشعب عندما سمع نبأ ما ألم به من سقم وكيف شُغل به وانشغل عليه وكأننا نسمع وجيب قلوبهم وهمهمة دعواتهم وهم يضرعون إلى البارئ عز وجل بأن يلبسه ثوب الصحة والعافية وأن يرده سالما معافى فتكتحل العيون بطلعته وتقر القلوب برؤيته .
آمين يا رب

ليست هناك تعليقات: