الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

ينبع ومشاركات الصيادين


ينبع ومشاركات الصيادين

بمناسبة البطولة العربية الرابعة لمسابقة الصيد
المقامة في ينبع


في عام 1428هـ شارك فريق مكون من :
 عبد العزيز حامد مزين ـ علي حامد الزمعي ـ وديع طلعت عــلام ـ أحمد محمد مزين ـ يس حامد مزين وكلهم من أبناء ينبع في مسابقة صيد السمك المقامة ضمن فعاليات مهرجان أبحر السياحي بجدة وحققوا المركز الأول في هذه المسابقة في يوم مشهود سجلوا فيه إنجازا مذهلا في بحر لم يألفوه ولا يعرفون شيئا عن شعابه ومراسيه ولا أماكن الصيد فيه .

وفي نهاية شهر أكتوبر من عام2009 م شارك مجموعة من  مدينة ينبع ممثلين المملكة العربية السعودية بفريق مكون من :
جلال عبد الحميد خلاف ـ  وديع طلعت علام - راكان أحمد العبسي - أحمد علي الرفاعي - عادل الحربي - خالد عبدالعزيز صيادي - رائد محمد السيد - تركي محمد السيد - نايف دخيل الله أبو مجدع في البطولة العربية الثامنة للتجديف التي أقيمت في مدينة الاسكندرية في جمهورية مصر العربية وكانت المشاركة الأولى لهم واستخدموا فيها قوارب لم يتعودوا عليها ولم يسبق لهم أن رأوها من قبل واستطاعوا بفضل الله وبعد تدريب يسير أن ينتزعوا الميدالية الفضية و يحققوا المركز الثاني على أحد عشر فريقا عربيا سبقهم في التجربة والمراس .

أعتقد أن هؤلاء الفتية هم الذين مهدوا الطريق لأن تستضيف مدينة ينبع البطولة العربية لصيد السمك المقامة حاليا في محافظة ينبع ، وهم الذين أثبتوا أن أبناء ينبع سيكونون في مستوى المسؤولية المناطة بهم مشاركة وإشرافا وتنظيما ..

ستنجح هذه البطولة بعون الله وسيذكر المشاركون فيها أبناء ينبع بالخير وسيحمدون اختيارهذه المدينة لهذا التجمع المبارك فينبع هي حاضرة البحر وقد اقترن اسمها به اقترانا تنفرد به عن مثيلاتها من المدن الساحلية وصيد السمك هو حرفة نصف أهلها ومصدر رزقهم وهواية النصف الآخر وقل أن تجد ينبعيا لا يجيد صيد السمك  أو لا يمارسه في أوقات فراغه  ؛ ولذلك تكونت عندهم هذه الخبرة العريضة عن وسائط الصيد وأدواته وأنواع السمك ومعرفة أشكاله وألوانه ولا تخلو موائد الأسر الينبعية من أطباقه الشهية وما زالت الصيادية الأكلة الينبعية الشهيرة مطلب الزائرين إلى ينبع في كل حين ، كما نشأت على هامش هذه الحرفة صناعات أخرى تعتمد على البحر وكان لها رواج كبير كصناعة السفن الشراعية والقوارب وشباك الصيد والصخاوي والمهالك وأصبح لها صناع مهرة يُقصدون من مختلف الأنحاء ، ومازالت ينبع إلى اليوم تعتز بتراث البحر وتحافظ عليه وتقيم سباقا للقوارب الشراعية الخشبية التي هجرها بعض أصحابها بعد ظهور قوارب الفايبر جلاس بما لا يقل عن أربع مرات في العام بجهود ذاتية من رئيس طائفة الصيادين وبعض المهتمين بالتراث والداعمين من رجال الأعمال وبعض الجهات الحكومية ويكون الإقبال عليه كبيرا . ولعلنا ننتهز هذه المناسبة للمطالبة بإدراج هذا السباق ضمن الرياضات المعتمدة في الرئاسة العامة لرعاية الشباب فهو سباق ممتع وله كثير من العشاق والمتابعين .. كما نغتنم الفرصة لشكر المنظمين والترحيب بالقادمين من إخواننا من الدول العربية فهم في بلدهم وبين أهلهم وإخوانهم وأرجو أن يجدوا منا ما يغريهم بالعودة و ينقش في أفئدتهم ما نحمله لهم من ود ومحبة واحترام .





الاثنين، 25 أكتوبر 2010

مسلم الوليعي ـ من الأدب الشعبي


هذه القصة من الأدب الشعبي المتداول في بادية ينبع ، وهي تروى بطرق مختلفة ، وما زلت اذكر جدتي رحمة الله عليها عندما كانت تشير إلى جبل رضوى في أيام الصحو وتقول انظر هنالك ( شداد الوليعي ) وتشير إلى أعلى قمتين في الجبل ما زلت أراهما إلى اليوم وعند المساء استمع إليها وهي تروي هذه القصة




مسلّم الوليعي

من الأدب الشعبي الينبعي



خرج مسلّم سليم الوليعي من ديرتة يبحث عن لقمة العيش لا يمتلك سوى القليل من الطعام وبعض الماء وكان يسير بمحاذاة جبال رضوى حتى وصل إلى بئر يسمى ( بئر السلمية ) من جهة سيل ( بواط ) جلس بجانب البئر وأكل ما معه من طعام وملأ قربته من الماء ورحل متجها إلى ( العيص ) ولكنه ضل الطريق وغير اتجاهه حتى نفذ ما معه من ماء واشتد عليه العطش وسقط مغشيا عليه وكان الوقت عصراً حين عودة الرعاة ، فمرت بمكانه صبية ترعى أغنامها وشاهدته ملقى على الأرض ( وفمه ) يغوص بالتراب فلمسته بإبهام رجلها لتعرف إن كان يتحرك أم لا ثم قلبته على ظهره فوجدته معفرا بالتراب وأدركت أنه عطشان ، فأحضرت الماء ونفضت التراب عن وجهه بطرف شيلتها و سقته وعندما أفاق سألها من أين أنت وأين منازل أهلك فدلته عليها فذهب إلى والدها وتعرف عليه وأخبره أنه يبحث عن عمل دون أن يخبره بخبر ابنته فاتفق معه على أن يعمل عنده راعيا للإبل وتم له ذلك وكان خلال رعيه يلتقي هذه الفتاة التي انقذت حياته وهي ترعى غنمها ويتحدث معها حديثا عابرا ثم أصبحت ساعات اللقاء تطول حتى أنهما في بعض الأحيان ينامان في نفس المكان الذي يرعيان فيه إبلهما وغنمهما في جو من البراءة والنقاء فانشغل قلبه بها وعزم على أن يتزوجها ولكنه غير متيقن من حبها له أو موافقة أبيها وإخوانها عليه فهو مجرد راعي إبل ولم يمتلك الجرأة لمفاتحتها في الأمر فهداه تفكيره إلى إستشارة عجوز معروفة في تلك الناحية بدهائها وحكمتها ، فذهب إليها وعبر لها عن أحاسيسه تجاه هذه الفتاة ورغبته في الارتباط بها ولا يعرف إن كانت تبادله نفس الشعور أم لا ، فأشارت عليه العجوز أن تظاهر أمامها بالسقوط وارم نفسك في التراب حتى يتعفر وجهك ولا تتحرك حتى ترى ردة فعلها فأن رفعت برقعها ونفخت الغبار عن وجهك بفمها فإنها تحبك فاعرض عليها أمر الزواج وأنت مطمئن، وإن نفضت عنك الغبار بطرف شيلتها فليس لك نصيب فيها .
ففعل ما أشارت به العجوز فرفعت الفتاة برقعها ودنت منه ونفخت التراب عن وجهه وفمه فقام من لحظته وعرض عليها الزواج فوافقت ونشأت بينهما من تلك اللحظة علاقة حب شريفة تسامع بها فتيان الحي وبدؤوا يتناقلون أخبارها ويتابعون تفاصيلها ويزيدون عليها حتى وصلت إلى مسامع إخوتها الذين غضبوا وعزموا على وضع حد لها .. ولكن أباهم منعهم من القيام بأي تصرف حتى يتبين حقيقة الأمر
ثم أن أباها ذهب ذات ليلة وكأنه يريد أن يتفقد الإبل فوجد ابنته والراعي نائمين وقد وضعا بينهما حاجزا من التراب يفصلهما فأدرك أن نية الراعي سليمة فوقف فوق رأسيهما ونثر رماد الغليون بجانبهما وذهب ، ولما قاما ورْووا الرماد قالت الفتاة هذا رماد غليون أبي، وهو إشارة إلى رضاه عنا ولكني غير مطمئنة لموقف إخواني و سوف أجس نبضهم هذا اليوم عند ورود الإبل الماء ولكن قبل أن ترد البئر أغرس في فخذي كل ناقة شوكتين حتى لاتستطيع الركض ألا ناقة أجعلها في طرف القطيع كي تهرب بها إذا لاحظت على أخوتي الغضب وأنا استطيع أن أتبين غضب إخوتي فإذا سمعتني قلت

( ورّد البل يا مسلّم لا سلمت لامك )

.فسارع بالهرب
وعندما وردوا البئر وجدت إخوانها يرفعون صوتهم بالحداء ويقولون :

مسلم لو مسكناه                            قطعنا كف يمناه
خلينا الموت يبراه


فصرخت بأعلى صوتها ( ورد البل يا مسلم لا سلمت لأمك ) وما زالت تكررها حتى سمعها مسلم وهرب وعندما حاول أخوتها أن يلحقوا به لم يجدوا ناقة صالحة يمتطونها
ذهب مسلم إلى عشيرته وقضى ما يقارب الشهر يعاني لوعة الغرام وألم الفراق حتى نحل جسمه وبرت عظامه وهو يردد في كل حين
جابولي شـــــــربة قراح مـن المطـر قـدام ثانيـه
وكبيت شربة قراح وقلت انـا جيــــعـان ضامـي
وجـــابولي در البكار اللي مريض الكبـد  يبريـه
وكبيت در البكار وقلـت انـا جيــــــعـان ضامـي
وجابولي سكر نبات مجـــــمعا كـل الـدواء  فيـه
وكبيت سكر نبات وقلت انـا جيـــــعـان  ضامـي
وجابولي مال الشريف اللي هوى الفقري ويغنيه
وكبيت مال الشــــريف وقلت انا جيعـان ضامـي
قالوا بلاك الكبر قلت الكـــبر مااوحـي  مشاكيـه
ولو كان صــــــيدي كبر كـان عاقتنـي  عضامـي
قالوا بلاك الهـــــوى قلت الهوى جيتـم  محاريـه
لولا الهــــوى ماتعديت العـرب جيعـان  ضامـي

وعندما رآه أخوه سويلم الذي يكبره سنا على هذه الحال سأله عن خبره فروى له قصة الفتاة وما كان بينهما من عشق وغرام وما كان من رغبته في الزواج بها وغضب إخوانها عليه وطردهم له فأخذ سويلم يخفف عنه ويسليه ويطلب منه نسيان الأمر ، ثم أنه عرض عليه أن يصعدوا إلى قمة ( جبل رضوى ) حيث مراتع الغزلان والمناظر التي تساعد على النسيان فأجابه مسلم إلى ما طلب وقد بيت في نفسه أمرا وعندما وصلا قمة الجبل قال مسلم ما رأيك يا أخي في أن تمسكني من جديلتي وتجعلني أتدلى لأشرف على السفح وأشاهد الغزلان فإجابه سويلم إلى طلبه وعندما دلاه سارع مسلم بإخراج مدية كان يخفيها في جبته وجذ بها جدائله فتدحرج من الجبل وسقط ميتا
ثم أن سويلم رحل من ساعته ليبحث عن تلك الفتاة التي تسببت في مقتل أخيه فأخذ جدائله وعباته ووضعها على شداد ناقته ولم يزل سائرا حتى وقف على صبية ترعى الغنم وسألها عن أناس صفاتهم كذا فقالت والله لا أجيبك حتى تجيبني عن صاحب هذه العباة وهذه الجدائل أحي هو أم ميت فقال والذي سألتيني به أنه ميت ولم تكد تسمع الجواب حتى سقطت مغشيا عليها وماتت في الحال فأدرك حينها أنها الفتاة المقصودة وأنشد :

والله مـــاآلـــوم  الوليــعي ولو طاح     من راس رضوى والعوض به عباته
مير إذهنوا لـي عنـد هبـات الأريـاح    لا أزف عمـري ثـم اســـوي سـواتـه



فذهب قوله (والعوض به عباته) مثلا

الغريب ـ من الأدب الشعبي


الغريب ـ من الأدب الشعبي

هذا الغريب كان عزيزا في قومه فارسا مهابا ولكنه جلا عنهم اضطرارا بعد أن تورط بقتل  رجل  وخشي من مطاردته بالثأر فهام على وجهه متنكرا في أرض الله ما شاء الله له أن يهيم حتى قادته قدماه إلى ديار أحد شيوخ البادية  وكان لا يحمل من حطام الدنيا إلا جرابا أخفى فيه بندقيته التي قتل فيها صاحبه   ولكنه كان ضنينا بهذا الجراب لا يريد أن يطلع على ما يحويه أحد .

أقبل على الشيخ  وأظهر له شيئا من المسكنة والغباء والدروشة وكان لا يرد على من يسأله عن قبيلته أو ديرته أو ما يحمله في جرابه وإذا أجاب فإنما هي إجابات ساذجة توحي للسامع بأنه يعاني من العته أوالجنون حتى رق له قلب شيخ القبيلة وأخبر القوم بأنه في رعايته وأوصى بعدم التعرض له
سأله إن كان يجيد رعي الغنم أو الإبل فأفاد بالنفي وسأله إن كان يجيد صنع القهوة فأجاب بالنفي ولما أيقن ألا فائدة ترجى منه قال إذن سأجعله مرافقا لبناتي في رعي الغنم مسليا ومعاونا 

وكان لشيخ القبيلة ابنتان في غاية الحسن والجمال ترعيان الغنم  فلازمهما في رواحهما وغدوهما كل يوم ولاقى منهما ارتياحا كبيرا لعدم تدخله في أمورهما أو عدم فهمه لما يدور بينهما

وكان لهاتين البنتين صاحب من شباب القبيلة يتقابل معهما أثناء استراحتهما ويستعرض أمامهما بحصانه  ولبسه وحديثه عن بطولاته وفروسيته وكانت البنتان ترتاحان لهذا الشاب وتتشوقان لحديثه وتقضيان معه أوقات طويلة في مثل هذه الأحاديث التي تدور حول الشاب ومواقفه البطولية المشرفة   .. وكان الحديث لا يخلو أحيانا من التندر على هذا الغريب   أوالضحك على ما يقوله أو ما يفعله.

وكان لدى البنتين مخطر أنيق مزخرف ( إناء لشرب اللبن ) يشربان فيه و لا يسمحان لأحد أن يشرب فيه غيرهما إلا هذا الشاب فإنه إن أراد أن يشرب أخرجا ذلك المخطر وملآه له باللبن  أما عندما يريد الغريب أن يشرب فإنهما يصبان له في يديه

وذات مرة أخذت إحدى البنتين مروة ( حجر أبيض ) وقالت للغريب تريد أن تتندر عليه  ماذا تتمنى هذه المروة يا غريب ؟ قال : أتمناها زحلاقه آخذها من يد أمي !! (الزحلاقة قطعة من الزبد )

فاستغرق الجميع في الضحك على سذاجة تفكيره ثم قالت للشاب ماذا تتمنى هذه المروة ؟ قال : أتمناها غرة فرس تظهر من خلف ذاك الجبل
يقصد أنه يتمنى مجموعة فرسان يهجمون عليهم لكي يظهر للبنتين شجاعته وقدرته على دحرهم

ولكنه ما كاد يكمل كلامه حتى هجمت عليهم  ثلة من الفرسان وما كاد يراهم حتى دب الخوف في  قلبه واعتلى ظهر جواده وولى هاربا والبنتان تناديان  عليه بألا يتركهما في أيدي الغزاة ولكنه لم يرد عليهما

جاء الغزاة وسلبوا  الأغنام وطلبوا من إحدى البنتين أن تذهب معهما حتى تسوق الغنم وتركوا الأخرى مع الغريب .. ثم أن أحد الفرسان نظر إلى الغريب وهو يصدر بعض الحركات البهلوانية فقال لزميله أشعر أن عيني هذا المجنون عينا فارس وأشم في جرابه رائحة ملح يقصد ملح بارود وسوف أقتله

فقال زميله للغريب هل معك ملح يا ولد ؟ قال كان معي ملح ووضعناه في طعامنا يقصد ملح الطعام .. فقال الرجل دعه وشأنه فإنما هو مجنون !

ثم أنهم ساقوا الغنم أمامهم وعادوا من حيث أتوا .. فهب الغريب يعدو من الناحية الأخرى  حتى سبقهم  إلى مضيق بين جبلين في طريق عودتهم وأخرج بندفيته من جرابه وثنى ركبته وأخذ يرميهم واحدا واحدا كلما ظهر فارس عاجله برصاصة ترديه قتيلا وهو يقول :

هذا جزاء للي سقتني في يدي  ... أخلي الصبيان عن غنمها حيِّدي

حتى أتى عليهم جميعا   والبنت تنظر إليه وتتعجب من شجاعته وسلامة لسانه وحضور بديهته فأقبلت عليه وقالت ما حملك على ما فعلت ولماذا تدعي بأنك مجنون .. قال لها ارجعي بالغنم يا أختي واستري ما رأيت ولا تخبري أحدا فقامت البنت وأخرجت المخطر المزخرف الذي سقت به الشاب ووضعته بين حجرين وحطمته أمامه وعادت بالغنم إلى حيث كانت أختها التي سألتها عن الذي رد الغنم فلم تخبرها فظنت أنه الشاب الفارس الذي كان معهما ولما عادت إلى البيت أخبرت أباها أن الشاب هو الذي دحر الغزاة ورد الغنم فقال إذن سوف أزوجه إحداكن مكافأة له

وكانت عادة الزواج السائدة في القبيلة أن يجتمع أفرادها ثم  تقوم الفتاة المراد تزويجها بصب القهوة للرجال تبدأ أولا بصب الفنجان لأبيها ثم للشاب الذي اختارته 
وعند اجتماع أفراد القبيلة أخذت البنت التي رأت فعل الغريب القهوة وصبت الفنجان الأول لوالدها ثم اتجهت بالفنجان الثاني إلى حيث وجود الغريب بجوار النار وقدمت له الفنجان وسط استغراب ودهشة الجميع ولما رأت استغرابهم أخبرتهم بأنه هو الذي رد الغزاة ووصفت له شجاعته وما سمعته منه . فقال له الشيخ والحاضرون ما حملك على ما صنعت ؟ فأخبرهم بخبره فقال له الشيخ أنت منذ اليوم فرد من أفراد القبيلة  بل أنت فارس القبيلة ولن يصل إليك أحد بعون له  ..
فعاش عندهم بعد أن تزوج ابنة الشيخ وأصبح واحدا منهم 


الأحد، 24 أكتوبر 2010

بائعو الوهم

دائما ما يمتلئ بريدي الإلكتروني برسائل يعتقد مرسلوها أنني أتمتع بقدر كبير من السذاجة والعته .. أو أن الطمع قد ملأ شغاف قلبي ويمكن أن يدفعني إلى تصديق ما يعرضونه علي سوف أختار لكم بعضا من هذه النماذج كما وردتني


الرسالة الأولى  مدير مصرف في بركينا فاسو

يوما سعيدا
أنا السيد فرح مهدي مدير مصرف في بركينا فاسو
قررت الاتصال بك لتحويل مبلغ 18000000$ ثمانية عشر مليون دولار أمريكي
هذا المبلغ وديعة لرجل مات بكامل عائلته في حرب العراق عام 2006ولم يترك إلا زوجة سرعان أن ماتت بعده ولا يوجد له أي قريب يؤول إليه هذا المال
وطبقا لقانوننا المصرفي فإن المال إذا بقي ثلاث سنوات دون مطالبه سيحول إلى الخزانة المركزية .. نحن لا نريد أن يحول إلى الخزانة وعلينا أن نستفيد منه ولذلك أعرض عليك تحويل هذا المبلغ إلى حسابك الشخصي على أن يكون لك 40% ولي 60 %
كمدير لهذا المصرف أطمئنك أن الصفقة مأمونة 100% فإذا لديك الاستعداد للتعاون رجاء أشعرني سريعا لأنه لم يبق على قفل الصندوق سوى 14 يوما مصرفيا
إذا وافقت سوف أرسل لك المسوغات القانونية لملئها وتحويل المبلغ إلى حسابك المصرفي وبعد ذلك يتطلب مني النزول إلى بلادك لتوزيع المال حسب النسبة المذكورة أعلاه
كما أنك يمكن أن تتأكد من موت صاحب المال بما نشر في السي إن إن والبي بي سي على هذين الرابطين
http://www.cnn.com/2006/WORLD/meast/10/11/iraq.deaths/
http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/6040054.stm

أكون مسرورا في حالة موافقتك ارسل لي تفاصيل حسابك المصرفي والاسم الكامل والمدينة والدولة وتقبل تحياتي

مدير مصرف بيل في بركينا فاسوالسيد فرح مهدي


الرسالة الثانية شركة تومسون

شركة تومسون
جناح بي 11 ميدان مونتاكري ـ كوالا لمبور
هاتف 60173942586011+ ـ 60173942586012+
تحية طيبة
يسرني أن أكتب إليك هذه الرسالة التي ستكون مفاجأة لك أننا لم يسبق أن تعارفنا أو اجتمعنا من قبل وأنا آسف إن كنت قد سببت لك أي إزعاج ولكن هذه الرسالة ذات طبيعة استثنائية وخاصة جدا
وبالتأكيد سينتابك الشك والارتياب لأن كثيرا من الأشخاص قد استغلوا الانترنت لتسهيل أعمالهم الشنيعة وجعلوا من الصعب التمييز بين رجال الأعمال الشرفاء والمدعين
ولذا من واجبي أن أتحدث معك بصراحة أنا بينجامين جي تومسون مستشار قانوني في شركة تومسون كوالالمبور ماليزيا رأيت أن تتعاون معي فيما أقترحه عليك لفائدة الطرفين
لدي زبون توفي في 12 مارس /آذار 2005بسبب اعتلال في القلب وكان أفراد عائلته جميعا قد ماتوا قبله في 26 ديسمبر / كانون الأول 2004 في زلزال تسونامي وكانوا سببا رئيسا في ما حصل له من أزمات قلبية رحمه الله
زبوني هذا له أموال واستحقاقات لدى الشركة تقدر بـ 650,000,000$ ستمائة وخمسون مليون دولار قامت الأمم المتحدة بالتحفظ عليها حتي يظهر له قريب قادم مستفيد من هذا الحساب .. وقد أخطرني المصرف بضرورة البحث عن أقرباء العميل الراحل لإعادة تنشيط الحساب وتفادي الإغلاق غير المبرر
لذا لجأت إليك باقتراح كتقديم نفسك كقريب لهذا العميل وتحويل حسابه المصرفي لإيراداتكم كمستفيد شرعي وسأقوم شخصيا بدعم ادعائك وتقديم المستندات الثبوتية المتعلقة بهذه العملية مقابل أن نشترك أنا وأنت في الإيرادات 60% لي و 40% لك
لذا أنا احتاج تعاونك الصادق والسرية التامة حتى تتم هذه العملية دون أي خرق قانوني
إن استطعت أن أنال ثقتك فالرجاء الاتصال بي على
(bjthompson@web2mail.com)
أما إذا رأيت أن هذا المقترح يسبب لك الأذى فيمكن إهماله وتقبل تحياتي

بينجامين جي تومسون


الرسالة الثالثة مدير قسم المعادن في بنين

شخصي وسري
من السيد بول أقوقو
هاتف 22996626961+
البريد الألكتروني paul_agogo@yahoo.fr
يسرتي أن أعرض عليك التعاون لنقل مبلغ 7,2 مليون دولار أمريكي لحسابك الخاص
أنا مدير تخصيص مشروع قسم المعادن والمصادر الطبيعية في جمهورية بنين غرب افريقيا وهذا المال كان باقي عقود تشغيل مشروعات تنقيب لم يتم يصرفها موجودة في صندوقي ولكن لا أستطيع الاستفادة منها إلا بعد تحويل لمستفيد خارج الحدود
لذا أنا واثق أنك ستتعاون معي لتحويل هذا الحساب إليك على أن يخصم منه 10% رسوم تحويل واتفاقيات قانونية و30% لك بينما 60% تعود لي كمنشئ للحساب
لذا أرجو ألا تتردد لاستجابة ندائي وبعث صورة اسكانر من جواز سفرك الرسمي ورخصة قبادة سارية المفعول أو هوية وطنية على بريدي الألكتروني أعلاه

السيد بول أقوقو جمهورية بنين


الرسالة الرابعة المساعد الشخصي لرئيس ليبريا
الصديق العزيزأنا أحد المساعدين الشخصيين لرئيس ليبريا السابق تشارلز تايلور المتهم الآن في جرائم حرب نحن في حاجة إلى شريك أجنبي لا يقع تحت طائلة المساءلات القانونية لتحويل ما مقداره 798000,000,000$ حصلنا عليها عن طريق تجارة قانونية من جراء بيع ماس وأخشاب ليبريا أثناء فترة إدارة السيد تشارلز تايلورهذا المشروع سيجعل بيننا علاقة ممتدة من الشراكة الأصيلة المبنية على الثقة المتبادلة إذا وافقت فسأطلعك على مزيد من التفاصيل عندما أقابلك فورا في مطار بلادك في الوقت الذي تحددهأما الآن فكل ما عليك فعله هو إشعاري بالموافقة بالرد على هذا الإيميل وتوضيح معلوماتك الشخصية الاسم ـ البلد ـ مطار الوصول وأتوقع إجابتك وفقا لذلك
أجمل التحياتالمخلصالسيد بول ما رتنيز 

الرسالة الخامسة  لقبي مطابق لقب الزبون الراحل
الصديق العزيزأنا المحامي موسى أمير كوالا لمبور ماليزياحصلت على إيميلك في وقت أنا محتاج إليك جدالأعرض عليك أن تتعاون معي في هذا المقترحمات أحد زبائني في وقت ما من مارس / آذار 2005 وترك مبلغ 7,500,000$ سبعة مليون وخمسمائة ألف دولار أمريكي وقد كلفت من قبل البنك بالبحث عن قريب له يدعي هذا المال وكان زبوني قد ولد من عاملين مهاجرين جاءا إلى ماليزيا منذ مدة طويلة وليس لهما أي أقرباء وقد أوشكت المدة المحددة للبنك على الانتهاء وبعدها سيحول إلى الخزينة المركزيةوقد سررت بأن لقبك يطابق لقب زبوني الراحل وأريد أن أقدمك كقريب قادم مستفيد من هذا المال أحوله إلى حسابك المصرفي بعد اكتمال الإجراءات القانونية التي سأتولاها بنفسي على أن آخذ مقابل ذلك 60% من هذا المبلغ وأريد أن أطمئنك أنه لا توجد خطورة في هذا الادعاء على الاطلاق فقد عملت الترتيب الشرعي الذي يحميك من أي خرق للقانونأرجو الرد في حالة الموافقة على بريدي الألكتروني الخاص
أما في حالة عدم الموافقة فاقبل اعتذاري وتكتم على هذا 
الأمر رعاك الله
موسى أمير المحامي

 
الرسالة السادسة  تاجر الكاكاو مات في ظروف غامضة

من الآنسة روز ماقوماالعنوان 326 ترشفيلابيجان ـ كوت ديفوارالذي دفعني للكتابة إليك اقتراح ليس إلزامي ولا يرغمك على أمر لا ترضاهأنا الآنسة روز ماقوما وأخي الأصغر موسى أقوما الذي مات قبل ستة شهور وأنا الوارثة الوحيدة للسيد ماقوما من عائلة مالكة في سيرياليون .. أبي كان تاجر كاكاو في ساحل العاجل ومن المحزن أنه توفي في ظروف غامضة في باريس في 12 فيراير 2001 وهناك شك بأن الذي قتله كان عمي الذي سافر معه في ذلك الوقت والله أعلم بالحقيقةأما أمي فقد ماتت عندما كان عمري 13 عاما وقد أخبرتني والدتي أن أبي قد أودع أمواله البالغة 11,700,000$ في حسابي في أحد البنوك القيادية أنا الآن طالبة جامعية عمري 20 عاما والأنظمة هنا لا تجيز لي مباشرة أعمالي وقد عرض علي الوكيل أن أستعين بشخص في الخارج لتحويل هذه الأموال إلى حسابه ثم استعادتها لذلك لدي رغبة مخلصة في تعاونك معي للحصول على أموالي مقابل نسبة جيدة تكون لحسابك فهل بالإمكان أن تساعدني بأمانة كعادتكأرجو الرد عاجلا
أختك المخلصة الآنسة روز ماقوما

 
الرسالة السابعة هذه الشحنة محولة لي من غانا

أنا الدكتور خليل بالاموظف دبلوماسي بريطاني في صندوق النقد الدولي للأمم المتحدة بلندناتصل بك من مطار هيثرو بلندن بما يتعلق بشحنة صندوق مقدارها 25,000,000.00$ محولة إليك من غانا غرب أفريقيا كمستفيد من الصندوقأرجو الاتصال بي سريعا لتزويدي بعناويمك حتى أقابلك في مطار بلدك أنا محتاج الاسم الكاملعنوان البيتالمطار الأقربنسخة من إجازة السياقة وجواز السفررقم هاتفك الجوال المباشركما أرسل لك طيه نسخة من جواز سفري الدبلوماسي مع تصديق وزارة الخارجية للاطلاعانتظر ردك الفوري خلال 24 ساعة على بريدي الألكتروني
unitednations.diplomat1.1@live.com
الدبلوماسي البريطاني الدكتور خليل بالا 

 
الرسالة الثامنة أنا أحد ضحايا حرب نيجيريا دون أن أدري!!

انتبه أيها الصديقودعني أعرفك بنفسي أنا السيدة مريم أندرسن مكلفة من قبل الرئيس أومارو رئيس الجمهورية الفيدرالية لنايجيريا والرئيس التنفيذي لمعالجة جرائم الفساد الاقتصادية التي كلفت بها الرئيسة السيدة فريدة مازمبير وقد اتضح من سير التحقيق أنك أحد ضحايا هذه الجرائم حيث فقدت جميع ما تملك في نيجيريا بسبب هذه الاعتبارات ولقد وجهت الحكومة النيجيرية بتعويضك عما فقدته بمبلغ 550,000.00$ سوف يحول لحسابك بواسطة بطاقة مصرفية وقد هيئت البطاقة باسمك ومستعدين بإرسالها لك على عنوانك كما نرجو التعاون معنا في الإخبار عن أي شخص قد تعرض لفقد أموال مثلك حتى ندفع له تعويضات عن هذا الضرر للمحافظة على سمعة الحكومة النيجيريةالرجاء إرسال المعلومات سريع إلى السيد سكوت باباتوندي على البريد الألكتروني
scott.babatunde37@gmail.com
 

رقم الهاتف 234-702-837-1545+ونيابة عن رئيس الحكومة الفيدرالية لنيجيريا نحن في عاية الأسف لأننا سببنا لك الإزعاج ونأمل أن يكون تعويضنا مناسبا لإرضائك
السيدة مريم أندرسن

 
الرسالة التاسعة  مصاب بالسرطان رينا يشفيه

مرحبانحن لم نتقابل وهذه الرسالة تأتي إليك دون معرفة أو إنذار فأرجو أن لا تشعر بالأسى عندما تسمع قصتي فأنا ولله الحمد راض بنصيبي ومطمئن إلى مصيري وكل إنسان سيموت في يوم ما فالخالد هو الله عز وجلاسمي كريم هاني تاجر في دبي ـ الإمارات العربية المتحدة أعاني من سرطان المرئي الذي أكتشف متأخرا بسبب تهاوني في الاهتمام بصحتي والتركيز على التجارة وجمع الأموالما بقي لي في الدنيا إلا شهور قليلة وعندي أموال طائلة وأصول ملكيات أعطيت أفراد عائلتي وأصدقائي المقربين بعضها وتبرعت بجزء منها للجمعيات الخيرية في الإمارات العربية وانجلترا وايرلندا وقد منعني الأطباء الآن من مباشرة أعمالي ولذلك رأيت أن أحول إليك ما بقي من أموال وأصول لصرفها في أوجه الخير في بلدك وإخبارهم أنها من كريم هاني وطلبهم الدعاء لي ومسموح لك بأن تأخذ 20% منها نظير أتعابكأتمنى الرد سريعا على هذا الإيميل karimh02@gmail.com وقد فوضت إدارة المستشفى بفتحه وعرض الموافقة إن وردت منك ليقوم البنك بالتنسيق معك بتحويل المال لك
أخوك / كريم هاني


الرسالة العاشرة  وأيضا هذه مصابة بالسرطان

مرحبا عزيزيبالرغم من أننا لم نجتمع أبدا ولا تجد سببا مبررا للاتصال بك إلا أنني أحثك للاستماع ليأكتب لك هذا البريد والدموع الثقيلة تملأ عيوني والحزن العظيم يكتسح كياني لأن طبيبي أخبرني أنني سأموت بعد ثلاثة أشهر بسبب السرطان لدي مبلغ يساوي 3.5 مليون دولار أريد أن أرسلها لك لتقوم نيابة عني بالتبرع بها لبناء مستشفى للسرطان ورعاية أيتام فقد جربت اليتم في صغري ولا أحتمل أن يعاني منه أحد .. لدي أفراد عائلة وأقرباء ينتظرون موتي ولكني لا أستأمنهم على تنفيذ وصيتي والمثل يقول الملاك الذي تعرف أسوأ من الشيطان الذي لا تعرف وسوف أزودك بالمعلومات التفصيلية والنسبة التي تخصك مقابل ذلك عندما توافق على مساعدتي الرجاء الاتصال بي مباشرة على البريد الألكتروني
akumar_1960@hotmail.com
 
صباحا فهذا هو الوقت الذي يسمح لي فيه الطبيب بالكلام
المخلصة السيدة أكومار رحيم

أيها الإخوة الكرام الرسائل العشر السابقة ليست هي كل مايرد إلى بريدي ولكنها عينة منتقاة من موضوعات مختلفة تشترك جميعها في الدلالة على الاستغفال واستغلال جانب الطمع في نفس الإنسان وعرضي لها هنا يدل أنني مدرك لنوايا أصحابها وأنني لن أكون صيدا سهلا لألاعيبهم .. ولكن كما يقول المثل الشعبي ( كثر الطرق يفك اللحام ) فقد بدأ موقفي يتزحزح من هذه الخطابات بعد تلقى الرسالتين التاليتين حيث اختلف أسلوبهما عما كان متبعا

الرسالة الأولى

السيد مالك البريد الإلكتروني ahmadza2@hotmail.com 
نبعث لكم النتيجة الرسمية للكرة الكهربائية 2009 برنامج يانصيب المملكة المتحدة حيث تم إجراء السحب على بريدكم الألكتروني وكانت الأعداد المحظوظة الفائزة 4 و 21 و 36 و 28 وكان بريدكم يحمل العدد 21 لذا حال استلام الرسالة نرجو التصديق على ذلك من خلال الموقع
http://www.powerball.com/powerball
/pb_numbers.aspلتحول إليك الجائزة البالغ مقدارها 163000,000,000$ نقدا بعد اكتمال المتطلبات القانونية والوثائق الرسمية التي تدل على شخصيتك وبعثها إلى السيد بريم ستون على البريد الإلكتروني
pbl_fundsreleasedept@hotmail.co.uk
 
هاتف 447035988418+ ـ 447024016716+المعلومات المطلوبة هي الاسم العنوان الجنس العمر الهاتف الحالة الاجتماعية الدولة

المخلص السيدة مورين ديان منسق الكرة الكهربائية على الانترنت

الرسالة الثانية
اليانصيب الدولي على الانترنتمنتزه هارلسيدين نيويورك ـ الولايات المتحدة الأمريكيةيالتعاون مع شركة ما يكروسوفترقم الدفعة 563881545 - إن إل/2006
إخطار فوز
الفائز العزيزلقد انتهى المستوى الرفيع لمراهنات سباق الخيل لهذا العام 2009مع المجموعة الذين تختارهم شركة ما يكروسوفت بشكل عشوائي كل عام من خلال البريد الألكتروني لكل عميل

فقد ورد بريدكم الألكتروني كأحد الذين تعاملوا بشراء أجهزة أصلية من ميكروسوفت وحصلتم على الجائزة الأولى من ضمن عشرة أشخاص نصيب كل واحد منهم 150,000,000$ليكن في علمكم هذا الإخطار يخولك لاستلام مبلغ الجائزة وعليكم تسجيل اسمكم بالاتصال بوكيلكم المعين الذي يسهل لكم إكمال الإجراءات اللازمة لإرسال هذا المبلغ إليكم عن طريق بطاقات مكائن السحب السريع في مختلف أنحاء العالم فنرجو منكم فور قراءة هذه الرسالة إرسال المعلومات التالية الاسم الكاملالعنوانالبلدالعمررقم الحساب واسم البنك كما نشعركم بأن نسبة ضيئلة من هذه الجائزة ستقتطع للنشاط الترويجي مع شكرنا الخاص وامتناننا إلى بيل غيتس وشركاهتهانينا لحظكم السعيدبانتظار ردكم سريعا
منسق يا نصيبالولايات المتحدة الأمريكية الآنسة انجيلا وليامزالسكرتير الدائم للدكتور ويسمان شمس الدينويب www.fmf.gov.ngهاتف 234 8071174148+ ، 234807117414+


هاتان الرسالتان غيرتا  قناعاتي نحو هذه الرسائل بسبب اختلاف أسلوبهما وطريقة عرضهما .. فهما لا تعدانني بأموال تأتي عن طريق استغلال أشخاص آخرين والتحايل عليهم .. ولكنها تأتي عن طريق الاشتراك في اليانصيب .. المبلغ 150,000,000$ كبير جدا ولا يمكن أن أحلم به في يوم من الأيام .. فلم أضيعه من يدي ؟بدأت أميل إلى تصديق الرسالة الثانية .. فأنا فعلا عميل لشركة ما يكروسوفت وقد اشتريت منهم جهازا جديدا وبرنامج ويندوز أصليا .. وإيميلي مسجل لديهم ويمكن أن يدخل السحب .. ما المانع .. صحيح أن الثروة لا يمكن أن تهبط على الإنسان فجأة دون بذل جهد ولكني إنسان مسلم دائما ما أتوجه إلى الله عز وجل بأن يوسع لي في رزقي وليس ببعيد على الله أن يستجيب لدعائي فالله قادر على كل شئ ويرزق من يشاء دون حساب وهذه أموال طائلة تنزف في مراهنات سباق الخيل والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر ) إذن ليس فيها حرمة ! وحتى لو كانت حراما فأنا لم أشارك فيها بطوعي ولم أسع إليها .. وإنما هي التي جاءت إلى حدي فلم أتركها ؟

بدأت تتنازعني الظنون وبدأت أفكر في مصادر الخطر فإذا هي مأمونة .. ماالخطورة في أن أرسل اسمي وعنواني وبلدي ؟ وحتى رقم حسابي فأرقام حسابات الأفراد والشركات معروفة ومنشورة في الصحف والمجلات

المهم توكلت على الله وأرسلت لهم المعلومات التي يريدون
**************
قلت بأنني بدأت أميل إلى تصديق ما جاء في الرسالة الثانية وأنني ربحت هذا المبلغ في مراهنات سباق الخيل باعتباري أحد عملاء ما يكروسوفت .. أمر منطقي ويمكن أن يحدث ! كما أنني وازنت بين الفوائد والمضار فرجحت أن الفوائد أقرب فالمطلوب مني هو الاسم الكامل والعنوان والبلد والعمر ورقم الحساب واسم البنك وهي معلومات عامة ليس في تعميمها أي خطورة .. وحتى رقم الحساب فهو ليس من الأسرار الهامة ويستطيع أي إنسان أن يعرف رقم حساب إنسان آخر بسهولة .. وعلى أسوأ الاحتمالات حتى لوكانت عندهم تقنية عالية يستطيعون بها سحب ما في هذا الحساب فإنهم لن يجدوا فيه ما يمكن أن أتأسف عليه وأمر آخر كان يشغلني فيما لو كانت هذه الرسالة من باب الآحتيال كالرسائل الأخرى هي معرفة كيف يمكن أن يتم هذا الاحتيال المهم أنني توكلت على الله وأرسلت لهم المعلومات المطلوبة ! وما هو إلا يوم أو بعض يوم حتى جاءني منهم الرد التالي :


الغالي أحمدلقد استلمنا بريدك الألكتروني مع معلومات اتصالك الكاملة .. نشكرك وسوف نقوم بمعالجة إدخال حسابك في الولايات المتحدة من خلال بطاقة مكائن سحب النقود السريعة في أي جزء من العالم مع ملاحظة أن المبلغ الكلي هو 150,000.000$ ويحق لك أن تسحب في كل مرة 15000$ ليوم عمل واحد وسوف تجدون برفقه شهادة اعتماد فوزكم باليانصيب الدولي ونسخة من الصحف التي غطت احتفالية السحب بحضور وزير المالية الاتحادي كما نرجو منكم إرسال نسخة ماسح ضوئي من جواز سفركم الدولي أو رخصة قيادة دولية سارية المفعول حتى يمكن إصدار بطاقة السحب بناء على المعلومات الواردة فيها لتفادي أي مشكلة في استلام البطاقة عن طريق الفيديكسعلما بأن البطاقة ستصلكم خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام عمل أجمل التحيات


الآنسة انجيلا وليامزالسكرتير الدائم للدكتور ويسمان شمس الدين ويب www.fmf.gov.ngوأنصح بأن تتصل بي شخصيا للتنسيق علىهاتف 234 8071174148+ 234 8071174149+


ووصلت مع الرسالة شهادة مزركشة وجميلة تثبت فوزي بهذا المبلغ وصورة من صحيفة توضح مراسم السحب وتغطية الحدثإذن فالأمر جدي وليس كما توهمت ولم يبق بيني وبينه إلا إرسال الوثائق المطلوبة .. ثم الاتصال بالآنسة انجيلا وليامز .ولا أخفيكم أنني خفت من عملية إرسال صورة من جواز السفر أو الهوية الوطنية فكتبت لهم أنه لا يوجد لدي جواز سفر وأرسلت لهم بدلا عنه صورة من بطاقة معلم قديمة .. ولم أفكر بالاتصال بالآنسة انجيلا لأنني لا أعرف الانجليزية .. ولا أريد أن أستعين بأحد لا سيما ابني رامي القريب مني عملا بمقتضى
( واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان )


ولكني بدأت جديا أفكر في مرحلة ما بعد استلام المبلغ والذي اتضحت من تفاصيله أنه واصل لا محالة وأنني يمكن أن أسحب يوميا ما مقداره 15000 ألف دولار .. ورتبت الأولويات التي يمكن أن أقوم بها كالتالي
أولا تخصيص مبلغ 5 مليون ريال لبناء مساجد ولكني احترت هل أبنيها في السعودية أم في أواسط افريقيا
ثانيا تخصيص مبلغ 10 مليون ريال لجمعيات البر ثم عدلت عن ذلك إلى المستودعات الخيرية فالجمعيات لديها مشاريع استثمارية تكفيها
ثالثا تسديد أقساط مستحقة علي للبنك العربي ثم التنازل عن الراتب الشهري نهائيا لأم العيال فلست بحاجة إليه
رابعا تسديد أقساط صندوق التنمية العقارية
خامسا عمل ترميمات وإصلاحات للبيت .. ثم عدلت عن ذلك حتى لا أثير الشكوك والتوهمات فالقريبون مني يعرفون الداخل والخارج ولا داعي للفت الأنظار في المرحلة الأولى على الأقل
سادسا شراء عمارة استثمارية في مكة المكرمة وأخرى في المدينة المنورة
سايعا وهو الأهم الابتعاد نهائيا عن المنتدى وكل ما يربطني به من علاقات فالبرستيج الجديد يتطلب صداقات وعلاقات مع طبقات مخملية من رجال الأعمال تتناسب مع المستوى الجديد من القدرة الشرائية



وبينما أنا مسترسل في أوهامي إذا بي أتلقى اتصالا من الآنسة انجيلا وليامز .. عرفتني بنفسها وهنأتني على هذا الفوز ووصفتني بأنني رجل سعيد .. ولم أفهم بقية ما تحدثت به أو بالأحرى لم أستطع الرد عليها إلا بكلمات مقتضبة لا تفي بالغرض .. رغم محاولاتها المستميتة بأن تفهمني ما تريد .ومحاولاتي المستميتة بأن أفهمها أنني لا أعرف اللغة الانجليزية . فهمت أنها طلبت أن أبحث عن مترجم ولكني قلت لا يوجد وفهمت أن البطاقة قد صدرت وأنهم أرسلوها بواسطة خدمة فيديكس .. الحمد لله هذا هو المهم وانتهت المكالمة على هذا بعدها بعشر دقائق اتصلت لتخبرني أن لدي رسالة على البريد الألكتروني وأن علي فتحها .. فتحت الرسالة وإذا بها كالتالي :


الغالي أحمد ...لقد استلمنا بريدك الألأكتروني وصورة بطاقة الهوية الخاصة بتعريفك وبهذا تصبح بطاقة سحب النقود من مكائن السحب في مختلف أنحاء العالم جاهزة الآن وسوف ترسل لك إلى بلدك بواسطة خدمة فيديكس وقد جهزنا لك كل الوثائق الرسمية واستخراج البطاقة وهي الآن بين يدي وزير المالية وسيوقع عليها في خلال ساعات وتصلك في موعد أٌقصاه 48 ساعة ولكن بقي خطوة واحدة ينبغي القيام بها قبل إرسال البطاقة وهي دفع كلفة التأمين وتغطية رسوم إستخراج البطاقة ومقدارها 750 $ دولار أمريكي ترسل الرسوم إلى ليمورو صموئيل لاغوس نيجيريا .. المنسق الدولي لأفريقيا والشرق الأوسط كلمة السر اللونالجواب أحمر ويكون التحويل عن طريق الاتحاد النقدي العربي ثم إرسال إشارة إلينا بوصول المبلغ حتى نتمكن من شحن بطاقتك عن طريق خدمة فيديكس وسوف تتلقى اتصالا هاتفيا من الآنسة انجيلا للتنسيق


الآنسة انجيلا وليامزالسكرتير الدائم للدكتور ويسمان شمس الدينويب www.fmf.gov.ngهاتف 234 8071174148+ ، 234807117414+




إذن هنا مربط الفرس ( دفع كلفة التأمين وتغطية رسوم إستخراج البطاقة ومقدارها 750 $ دولار أمريكي ) ألا يستطيعون اقتطاعها من المبلغ الضخم جدا ؟ وإرسال الباقي .. ثم ما علاقة ليمورو صموئيل ـ لاغوس نيجيريا بمراهنة جرت في الولايات المتحدة الأمريكية



أدركت حينها كيف تتم الخديعة وصحوت من أحلامي وأوهامي وما زالت الآنسة انجيلا وليامز تتصل بي يوميا تطالبني بإرسال المبلغ
 


حسن عبد الرحيم القفطي


مقدمة

في عام 1383 هـ أعارني الصديق تنيضب عوادة الفايدي ( دكتور في التربية الآن ) كتابا اسمه ( أدب من رضوى ) تأليف الأستاذ عبد الكريم محمود الخطيب .. في هذا العام وما قبله وقليل من الأعوام بعده كانت ينبع تعيش في سبات ثقافي عميق ولم تكن تصلنا أية مطبوعة سوى الصحف التي تصل إلى بعض الإدارات الحكومية أو بعض المشتركين وتأتينا متأخرة عن وقت صدورها ثلاثة أيام على الأقل وكنا لا نعدم الوسيلة في الحصول على بعضها وقراءته .. أما أخبار ينبع أو حتى ذكر اسمها فقلّ أن نجد له أثرا في أية مطبوعة وإن وجدناه نفرح به أيما فرح حتى لو كان في عبارة لا تخص ينبع كعبارة ( ينبع نهر النيل من أواسط أفريقيا ) .

في هذه الأجواء وقع في يدي كتاب ( أدب من رضوى ) وأثار فضولي واستغرابي وإعجابي أنه يتحدث عن ينبع في معظم موضوعاته وكان أشد ما أعجبني في الكتاب قصيدة تتحدث عن ينبع وتباهي بحبها وتذكر حاراتها لشاعر مصري استوطنها وشغف بها ذلكم هو الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي .. فاشتد تعلقي بالكتاب وبالكاتب وتنامى إعجابي بالقصيدة حتى أنني حفظتها عن ظهر قلب ولكنني لم أعثر له عن غيرها لا قبلها ولا بعدها حتى بعد أن توفرت مصادر البحث وتعددت سبل استدعاء المعلومة

إلى أن زرت الصديق الأستاذ صالح عبد اللطيف السيد ذات مساء وأنا عادة ماأزوره في منزله أحيانا للاستفادة من مجالسته والاستماع إلى طيب حديثه والاستزادة من غزارة معلوماته ودقة توثيقه .. وهو اسم لا يمكن إغفاله إن ذكرت الثقافة أو عد المثقفون في ينبع هو و عبد الرحيم الزلباني و عواد الصبحي و سعد سعيد الرفاعي و إبراهيم الوافي وطه بخيت وعبد الرحمن الذبياني وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم

أما الأستاذ صالح السيد مدار الحديث فقد أهدى المكتبة العربية سلسلة ( ملامح من تاريخ ينبع ) في أربعة أجزاء جامعة مانعة ولديه مكتبة عامرة زاخرة بالكتب النفيسة مفتوحة لكل من أراد الاطلاع والبحث وكانت أكثر زياراتي له بهدف الاطلاع على ما في هذه المكتبة من كنوز ..
وقع بصري على كتاب ( شاعر من ينبع ) للأستاذ عبد الكريم الخطيب وما أن تصفحته حتى أدركت أنه ما كنت أبحث عنه من أمر الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي . أنهمكت في قراءته وعقدت العزم على أن اعود في مرات قادمة للاستزادة من قراءته وإذا بالأستاذ صالح ( على غير العادة ) يقول لي وكأنه قرأ ما في نفسي : خذه معك ورده بعد أن تنتهي من قراءته .. لم أصدق ما سمعت فخرجت من عنده أحمل الكتاب وطفقت أسابق عجلات سيارتي وأسترق النظر إلى الكتاب كلما توقفت عند إشارة مرور .. ثم حولت وجهتي إلى أحد محلات النسخ وطلبت أن تصور لي نسخة منه لآحتفظ بها وأعدت الكتاب إلى صاحبه

الكتاب يحوي الكثير من القصائد الجميله التي تصف حنين الشاعر إلى ينبع ولهفته إلى العودة إليها ورغبته في العيش فوق ثراها وقضاء بقية العمر فيها .. وليت شعري ما الذي حال بينه وبين ذلك

سأحاول إن شاء الله في هذه الانطباعات أن أعرض لكم ما خرجت به من هذا الكتاب وما عرفته عن الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي مع شكري لابن ينبع البار الأستاذ عبد الكريم الخطيب الذي تابع البحث والتنقيب وعانى مشقة السفر والوصول إلى مسقط رأٍس الشاعر يمصر والتقاء حفيده والعثور على نسخة من ديوانه ليخرج لنا هذه الصفحات المطويات من تاريخ ينبع فله منا كل الشكر والتقدير





حسن عبد الرحيم القفطي

شاعر من ينبع


الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي ولد ببلدة القصير في مصر علم 1252 هـ وكان والده من كبار تجارها وله تجارة واسعة في ميناء ينبع فأرسل ولده ليساعد أخاه في أعمال التجارة ، فأحب ينبع واستوطنها وانعقدت هناك صداقة بين الشاعر وابن والي ينبع زارع ابراهيم باشا عواد حاكم ينبع في ذلك الزمان ، وهو من عائلة لا تزال موجودة في ينبع تسمى عائلة القاضي ، وتعلم وصاحبه العروض على يد رجل يسمى سالم باسودان ، وما زالت عائلة باسودان موجودة في ينبع ، وأصبحا شاعرين ، وعين الشاعر القفطي مساعدا لولاية ينبع زهاء عشر سنوات ، وفي عام 1288 هـ قصد الشاعر زيارة أهله الذين هجروا القصير لفقدان أهميتها بعد فتح قناة السويس ، وفي تلك الظروف توفي والد الشاعر فرفض إخوانه أن يعودوا إلى ينبع فعاش بقية حياته معهم في قفط في الصعيد المصري وفي مساء الثلاثاء الثامن من شعبان من عام 1321 هـ توفاه الله . ولكن حنينه لينبع لم يتوقف فقد أحبها حبا لا يعادله حب . له ديوان شعر يكاد يكون مفقودا في عصرنا الحاضر يقع في مائتي صفحة من القطع المتوسط طبع بمطبعة الشافعي حسن بالفيوم عام 1357 هـ . طبعه ابنه محمد .








نماذج من شعره

السفينة
إلى الفلك فانهض واغنم السير في البحر
 إذا فـــزت بالإمكــان من فرصـــة الدهـر
وكن بالجــــواري المنشــــــآت وســيرها
خبـــيرًا متى هبت ريـــاح الســـرى فاسر
وبـــادر لهــــاتيك الســــــفينة واغتــــــنم
 سرى الليل أو فاســتغنم السير في الفجر
ويمـــم بها نحــــو الحجــــــاز وعــج بها
على مـنبع الخــيرات في "ينبع البحر "
هي البلـــدة المشـــتاق قلبي لمــــن بها
 ويحـــلو لســـمعي ذكـرها طــيب النشر
أميـــل لمــــن فيــــها بقــــــلب تقــــلبت
 حشـــاشته من لوعة الشـوق في الجمر
وإن ذكـــــرت يــــومًا أهيــــــم بذكـــرها
 وأســـقى وهـــاد الأرض بالأدمع الحمر
وقد لامني قـــــومي إذا قـمت في الدجى
 أئـن كــــــما أنّ الأســـــيرُ من الأســــر
يقــــولون أقطــــــار الحجـــــــــاز بعيدة
 فإن شئت فاسـتبدل بها قطرنا المصري
فقـــــــــلت أما تســــــتغـفرون إلهــــــكم 
أمن بعد إيمـــــاني أميـــــل إلى الكــــفر؟
فكيف أبيـــــع الجـــــوهر الحـــر بالردي
  وأستعوض الأحجــــار يالكوكب الدري
وأسلــــو هــــــوى واد تراءت قـبـــــابه
 على أرضـــــه أزهى من الأنجــم الزهر

وكم فيــــه من خـــــود ضـــــياء جبينها
 إذا ما بدا بالليــــــــل يغــــني عن البدر
أيا عــــرب وادي  " ينبع البحر " إنني 
على عهـــــــدكم باق مدى العمر والدهر
ملكـــــتم فــــؤادي مذ سكــــــنتم ببـــيته
 وأدخــــــلتم وجـــــدي وأخرجتم صبري
نأيـــــتم ولا زلتـــــم مقيمــين في الحشا
وبنتـــــم وما بنتـــــم عن البــــال والفكر
أما وظــــــباء في ريـــــاض ديــــــــاركم 
يميسون كالأغصـــــان في الحلل الخضر
لقد ســــــبقت لله فيـــــــــكم محــــــــــبة
 فصـــار " ابن عواد " لكــم والي الأمر
كثير النـــــدا رب الصـــــــنيعة في العدا
 طـــويل المدا وافي الجــدا واحد العصر
كريم حــــــوى في بطـــــن راح يمـــينه
 ســـــبيلا بها الأرزاق تنســــــاب كالتبر
ســــخي إذا ما الغــــــيث ســــــح بودقه
 يســـــيح لنا من جــــــوده وابل القطــر
على المــــــال بذلا ســــــــلط الله كفــــه
 فلم يبــــق منه في الديـــار سوى الذكر
وإن جئـــــت تبــــغي منه أية حـــــــاجة
 رأيـــــت محـــــــياه تهـــــــــلل بالـــــدر
فمن وجـــــــهه تبدو الســــماحة للورى
 ومن كـــــفه للنـــــاس أمــــن من الفقر
مضـــــت لي أويقــــــات بها كنت أجتني
 ثمار الهــــــنا من روض أيــــــامه الغر

وكنــــــت أنا الأوفى لتحــــــــــرير نطقه

 وكنت أميـــــن القول في السـر والجهر

أروح أجـــــــر الذيــــل تيــــــــها بعـــزة 
وأغدو قريـــــر الطــرف منشرح الصدر
أما لو وهبــــت الروح شــــكرا لفضـــله
 لما قمت بالمعشـــــار من واجب الشكر
ولن أنسى طـــــول الدهر حسـن صنيعه
 إذا عشت أو إن ضـمني اللحد في القبر
فكم غمـــــرتني بالـنـــــــوال يميـــــــــنه 
وكم توجتـــــــني بالمهــــــــابة والبـــــر
فنـــــــذرا إذا جـــــــاد الزمـــان بعودتي 
ونوديت بالترحـــــيب من جــانب القصر
لأدخـــــل من أبواب ســــــاحة جـــــوده
 وأمــــلأ من أصــــــناف أمـواله حجري
وأرفــــل بعد الفقـــــر في حلـــــل الغنى
 وأغــــــمد ســيف اليسر في هامة العسر
ألا أن " عـــــوادا " تعــــــــــود كلـــــــما 
تجـــــــلى له وجه الســـــعادة في الدهـــر
تمنى على الرحـــــــمن نســــــلا مبـــاركا
فجــــــــاء بـ " إبراهيم " في ليـــلة القدر
فطــــــين بما يــــــأتي بصـــــــير بما أتى
 خبــــــير بما يجــــــريه في النهي والأمر
رؤوف على المســـــكين يبـــــدي بشاشة
 ويعظـــــــم في عيـــــن الذي تـــاه بالكبر
ويعفـــــو عن الجــــــــاني المـسـئ تكرما
 ويقبــــــل أعــــــذار الذي جـــــاء بالعذر
إذا رام أمــــــــرا هـــــــم فيــــه بهــــــمة 
وعــــــزم قـــــــوي جل عن قــوة الصخر

لقد حــــــــاز بالإجـــــــمال كل فضـــــــيلة 
وفصــــــل في أحكــــــــامه حسـبما يدري
فلـــــــولاه ما كانت " جهـــــينة " تهتدي
 إلى الحـــــكم والأحــــكام في البر والبحر
ولولا أنـــــــــاة فيــــــه عــــــزت لأوقدت 
" قبائــــــل حــرب " زفرة الحرب بالجمر
يقود زمــــــام العـــــــرب باللين والســخا
 ومن لم يقــــــد بالليــــــن ينقــــاد بالجبر
ومن يستـــــــــحق البــــــــر أولاه بـــــره 
ومن يســــــتحق الزجــــــر وافـاه بالزجر
ألا إن " إبراهــــــــيم " ســــاس أمـورهم
 وألــف بين الشــــــاة والذئـــب في البــر
وقدم إنصــــاف الضـــــــعيف على القوي
 وقام بنصـــــر العبـــــــد رغــما من الحر
وقد جـــــد في إصــــــلاح كل قبيــــــــــلة
وكــــــف أكـــــــف المعــــــتدين عن الشر
فأمســــت به عيـــــن الزمــــــــــــان قريرة
 كما دهــــره أضــــــحى به باسم الثـــــــغر
ألم تــــــــر أن الله ثبــــــــــت قـــــــــــــوله 
ونجـــــــــاه ممــــــن كاد يرميــــــــه بالغدر
مضى كهـــــــلال الأفق من أرض " ينبع "
 وقد جـــــاء من " أم القرى " وهو كالبدر
وما راح إلا كـــــــــارها شـــــــــر فتـــــــنة 
وما عـــــــــــاد إلا بالـثـــــــناء وبالنـــــصر
ولم يلتــــــفت بالبغــــــــض يـــوما لمبغض
 ولم يخــــــــف مكرا للمصـــــر على المكر
ولم ينتـــــــقم ممــــــــن تفـــــــــوه بالأسى
 ولم يدر عمـــــــــن مات بالغـــــيظ والقهر

على أنه كالطـــــــــود لم يكتــــــــــــرث لما
 يــــــراه من الأهـــــــوال في مدة العـــــمر
تعــــــــــلمت نظـــــــم الشعر قصــدا لمدحه
 ففقت جــــــريرا وامرأ القــيس في شعري
فإن رمت فيه المـــــدح جـــــــادت قريحتي
 بما تزدري بالـــــــدر في النظـــــــم والنثر
أما آن لي وقــــــــت أرى فيـــــه موقــــفي
 تجـــــــاهك في نــــــاد به مصــــــدر الأمر
فما ضــــــــر " إبراهــــــــيم " يوما لو أنه
 بمجــــــــلسه أجـــــــرى على فـــمه ذكري
ليعـــــــلم من في الشــــــرق والغـرب أنني
لشـــــــاعره أزداد فخــــــــرا على فخـــري
وخـــــــذ بنت فــــــــكر في مديحــــك أقبلت
 يفوق عبـــــير المســــــك منها شذا العطر
نســــــــجت لهـــا بالمــــــدح فيـــك ملابسا
 وقــــــلدتها بالوصـــــف من جــوهر الفكر
فقـــــــدم لها مهـــــــر القبــــــــــول تكـرما 
فما ثــــــم من بكــــــــر تفــــــــض بلا مهر
وما مهـــــــــرها إلا لديـــــــك قبــــــــــولها 
إذا ما بــــــدت تختـــــــال كالنـــــــاهد البكر
تقـــــــول وقد وافتــــــــك بالمـــــدح والثنا
 وقد أقبــلت تســـــــعى على قــــــدم الشكر
لمدحـــــــك أوقـــــــات الســـــعادة أرخـــت
 بدا ســـــعد " إبراهــــــيم " في ليـلة القدر






القطيرة


أمن تذكــــــر أكــــــل الحـــــــــوت بالرطب 
أعرضـــــــت عن لذة العنـــــــاب والعنــــب
أم شـــــوق نفســـــك " للمعدوس" أورثها
كراهــــــة التــــــين والرمــــــــان والقصب
أما ترى النـــــــيل في تلك البطـــــاح جرى
 فجـــــــاء من رؤيــــة الأزهــــــار بالعجب
فكيف تحــــــــزن بالأريــــــــــاف من أسف
 على ديـــــــار شــــــــراء المـــاء والحطب
نعم أميــــــل لهـــــــــاتيك الديــــــــــار ولو
 أصبـــــــحت فيها عـــــــديم المال والنسب
أحبـــــــها وأحـــــب القاطــــــــــنين بـــــها 
وإن جفــــــــــوني بــــــلا ذنــب ولا ســـبب
أما وحـــــــرمة ما في البحــــــر من ســمك
 وما حــــــوى الحـوت من رأس ومن ذنب
ما النيـــــل عنـــدي سوى نيل الترشف من
 ماء " العصـــيلي " إذا ما صب في القرب
شوقي إلى "القاد " في الأحشــاء يوقد من
 نار اشـــــتياقي إلى " منجـــــارة " العرب
ومهجتي في رصـــيف " البنط " ما برحت
 رهـــــينة لم تحـــــــل عنــــــــــه ولم تغب
وصورة " الصور " في الأحشــاء صورها
 قلـــــبي و " حـــلة عبس " غـــاية الطلب
وفي " الخـــــريق " فــؤادي ضاع وآسفي
 على الخـــــريق بــــــذاك الحي في لهــــب
قد شـــــــاب رأسي ولــــــو إني نظرت إلى
 " باب الشـــــبيبي " لكان الرأس لم يشب
أهــــــوى الوقـــــوف لدى " باب الحديد "

 لكي  أرى مصابيح "سوق الليل" كالشهب

في " رقعة السـمن " لي قصد ولي غرض
وعند "ســــــوق الفواتي " منتــــهى أربي
يا فــــوز من كان موجــــــودا هنــــــاك إذا 
قـــــام الحــــــــراج وصار البيع في الرطب
والمشـــــــترون له حــــــازوه وانقلبـــــــوا 
بنعــــــمة في الفــــــــواتي خيــــــــر منقلب
ياأهـــــــــل ذاك الحـــــمى كيف السبيل إلى
 قــــــــلبي الذي نشــــــــــأ في حبكم وربي
ناديـــــــته يـــــــــوم ترحــــــــــــالي أحدثه 
بإنني راحـــــــــل عنـــــــــــه فلم يجــــــــب
من ذا يلــــــوم على شــــــــــوقي إلى بلـــد
العيــــــــش في غيــــــــره للقــــلب لم يطب
ما عــــــــاقني عن رجــــــوعي في أماكنها
 إلا تراكــــــم أحـــــــــــزاني بمــــــوت أبي
ما بال دهـــــــــري إذا ما رمت نجــــــــدته 
في مطـــــلب ســــــاءني بالعكس في طلبي
من لي بــــــرد أويقـــــــــات لنا ســــــــلفت
 في ينبـــــــع الخـــــــير والآمـــــال والأدب
خير البــــــــلاد وأرجــــــــــــاها وأقــــربها
 نفعا وأرجـــــــحها كســـــــــبا لمكتســـــب
وكيــــــف لا وهي من دون البــــــلاد غدت 
بابا لبـــــــــلدة طه المصــــــطفى العــــربي
أرجــــــو وآمــــــــل أن الله يجــــــــــــعلني
 فيــــها مقيــــــــما مـــــــدى الأيام والحقب



العصيلي ماء خارج ينبع أما الآن فإنه من أكبرأحياء ينبع
القاد ، والمنجارة ، الصور ، حلة عبس ، الخريق كلها أحياء قديمة في ينبع
رصيف البنط : الميناء
باب الشبيبي : صهريج قديم لخزن مياه المطر في ينبع
باب الحديد : شارع قديم بينبع
رقعة السمن : موضع في السوق يباع فيه السمن والعسل
سوق الفواتي : موضع في السوق يباع فيه الرطب



القطيرة

 

المجاديف


المجداف الأول


           لي بجرعاء " ينبع البحر " قلب

                                    فارق الجســـــم يوم حان الرحيل

           اسألوا أهل " ينبع البحر " عنه

                         هــــــو حي بأرضـــــــهم أم قتيل

المجداف الثاني


            لا رعـــى الله مركـــــــبا حملتني 

                     من ربا " ينبع " لأرض الصعيد

            لو تملكـــــتها لقـــــــــلت ذروها 
                        إنهــــــا مســــــــتحقة للوقــــــود



المجداف الثالث


              ياغــــــزالا بــــات يوقدني
                            في لظى هجــري وإبعادي
              كيف تســعى في هلاك فتى 

                           وهو محسوب " ابن عواد


المجداف الرابع


                   مد من أرض الصـــعيد يدا 
                                        تبتــغي من " ينبع " رطبا
                  فاجتنـى من حيث ما طلبت
                                        نفسه واســــــتدرك الطلبا

المجداف الخامس


                    خرجــــــــــنا نبتغي التمرة 
                                      بــــــذاك الحي والـــــوادي
                    ولمــــــــا أن نظــــــــرناها 
                                      أكــــــــلنا ألـــــف مجــــلاد

المجداف السادس


           من عاش في كنف " ابن عواد " رقى
                                   أوج الكمـــال وعــاش في عيش الهنا
            مــــا في الورى شــــخص فقـــــير أمه
                                   إلا وبعــــــد الفقـــــــر أصبح في غنى


ابن عواد : هو إبراهيم عواد باشا والي ينبع في عهد العثمانيين




هذه القصائد (السفينة والقطيرة والمجاديف ) تعمدت أن أضعها في المقدمة لأن لها قصة سيأتي ذكرها لاحقا ولكن الملاحظ أن الشوق إلى ينبع والرغبة في العودة إليها هي المشاعر المسيطرة على هذه القصائد ويظهر الشوق جارفا يهز كيان الشاعر في كل أبيات القصائد تقريبا وهو يصف ويتذكر ويتحسر ويقول بحرارة وصدق :

هي البلدة المــــــشتاق قـــــلبي لمن بها
ويحـــــــلو لســــمعي ذكرها طيب النشر
أميـــــل لمن فيـــــــها بقــــــلب تقلــــبت
حشــــاشته من لوعة الشـوق في الجمر
وإن ذكـــــــرت يــــــومًا أهيـــــم بذكرها
وأســــــقى وهاد الأرض بالأدمــع الحمر
وقد لامني قــــــومي إذا قمت في الدجى
 أئـن كــــــما أنّ الأســــــيرُ من الأســــر

و حتى عندما يرد على من يقول له استبدل بينبع مصر بلد العناب والعنب والتين والرمان والقصب .. تصل به المبالغة في الحب مداها ويدعوهم إلى الاستغفار وكأنهم يدعونه إلى الكفر !!

يقولون أقطــــــــــار الحجــــــاز بعيــــدة
 فإن شئت فاســتبدل بها قطرنا المصري
فقــــــــلت أما تســـــــتغفرون إلهــــــــكم 
أمن بعــــــد إيمــــــاني أميــل إلى الكفر؟

بل أنه في المجداف الثاني بدا حانقا على المركب التي حملته من ينبع إلى مصر وتمنى أن تحترق قبل أن تغادر أرض ينبع

              لا رعى الله مـــــركبا حمــــلتني 

                   من ربا " ينبع " لأرض الصعيد

              لو تملكــــــتها لقــــــــلت ذروها 
                   إنهـا مســـــــتحقة للوقــــــــــود


نماذج أخرى من شعر حسن عبد الرحيم القفطي

ياقلب دعني


             يا قلب دعــــني في الذي أنا فيه
                            إن كـــــــان لي عيش به أو فـيه
             والحق بأهــــلك بالحجاز وخلني
                             أبدي لأهــــــــلي السر أو أخفيه
             واختر من البــلدان فيه" ينبعًا "
                             فملاعــــــــب الغـزلان في واديه
              بلد إذا ما رمـــــت وصف ملاحه
                            حدث بما قد شـــــــئت عن أهليه
               إذ لو توارت عنه شــمس نهاره
                             أضحـت وجــــــوه مـلاحه تغنيه
               كم فيه من ظـــــــــبي كحيل نافر
                            أحـوى حــــوى الدر الثمين بفيه
                أو شمس حسن بالهلال تدملجت
                            وبدت كـبــــــــرد في سماء التيه
               وغدت تجــــــر ذيول حلة أطلس 
                            حمرا كوجــنتها لدى التـشـــــبيه
                رقت لطـــــــافة جسمها حتى ولو
                               مر النســــــيم بخــــــــدها يدميه
             
                 يهوى زيارتــــــها منــــاما صبها 
                             فيرى عقـــــارب صـــدغها تؤذيه
                 ولكم محــــــــب فيه أمسى حـائرا
                               لم يلـــق مأوى في الحمى يأويه
                  إن لم يصـــــب فيه بطـعنة فارس
                              فلرب طــــــعنة مقــــــــلة ترميه
                 أمسى بها طــــــــورا هناك تميته
                              نار الغــــــــرام وتارة تحـــــــييه
                 حتى إذا لم يســــــــقه مــاء الحيا
                              فدموع أربــــــــاب الهوى تسقيه
                  يهوى المحـــــب بأن يبــاع لأهله
                               بالبخــــــس لكن أين من يشـريه
                 حرم به حجـت قلوب ذوي الهوى
                               ولديــــــه أحـــــرم كل من يأتـيه
                 ما حـــــل فيه محــــرم بصــــبابة
                              إلا وطـــــــاف بكــــــــل بيت فيه
                 ثغر حـــوى بجوار طه المصطفى
                              شــــــرفا على شــرف بلا تمويه
                 أولم تر الرحــــــمن أولى أهـــــله 
                             عز الجــــــــوار كرامــــــــة لبنيه
                 فأعاد صــــــولة " آل عواد " له
                              وأقــــــام فيه " زارعا " كأبيـــه
                 مولى أقــــــر العــــــدل فيه بعدما
                              كادت مظــــــــالم غيــــــره تفنيه
                 مرآة والـــــده وبهــــــجة أهـــــله 
                             وســــــراج عتــــــرته وبدر ذويه
                 حبر إذا لهــــــج اليـــراع بوصفه
                             وافتــــه ألســـــنة الثــــــنا تمليه
               
                يقضي بحـــــق عــــدوه وصديقه 
                            حتى لو إن الحــــق عنــــــد أخيه
                ما في الأفاضــل منه أشرف رتبة
                             كلا ولا في الفضـــل من يحـــكيه
                لو أن للشـــــمس المنـــــيرة ماله
                              من رفعــــــة لتخــــــطرت بالتيه
                     أو لو أتت في كفـــــــه يوم الندى
                              لم يعتبــــــرها درهـــــــما يعطيه
                  أو لو تزوجــــــت الثــــــــريا ليلة
                             بالبــــــــدر ما حمـــلت له بشبيه
                 فطــــــن حــــــوى من كل فن لبه 
                            وروى العـــــلوم وفــــاق كل بنيه
                ما عطـــــــر الناـدي بطيب حديثه 
                             إلا وفــــــاح المســــــك من ناديه
                أو لو سـرى في الليل حادثة يرى
                              نــــــورا بدا من نـــــــوره يهديه
                فالفضــــــل يعــــــرفه ويشهد أنه 
                             هو عــــــز دولـــــته وفخـر ذويه
                يا حـــبر هذا العصـــر يا مفضاله
                             يا " زارع " المعروف في أهليه
                إذ أنتم كلــــــفتم فــــــــــــكري به 
                              فغــــــدا بطيب مديحـــــكم ينشيه
                الله حســـــبك حيث قـــــد أنقذتني
                              من لوعة الشــــوق الذي أنا فيه
                برسالة تشـــــفي العليــــــل كأنها 
                             ريح القمـــــيص أتى به ملقـــــيه
                 ونثـــــرت لي ذكرا علا من بعدما 
                             كاد الحســــــود بزعمـــــه يطويه
             
               فالشــــعر فني غــير أني قاصـــر
                              عما إليـــــك قريحــــــــتي تهديه
                دمع اعتــــرافي بالقصور وما أنا 
                             فيــــه من الخجــــــــل الذي أبديه
               هذي رســـــول لي إليـــك وليتني
                              كنت الرســــــول لهـــا لمن تأتيه
               فاستـجلها بكــــــرا أتى تاريخــها
                              البأس صـار لـ " زارع " وأخيه


سوق الليل



عودوا لينبع


      عودوا بنا لنـــــــواحي ينبع عودوا
                                 فعيشـــــــها قد صفا والعود محمود
      وزودوا القـلب من ذكر الرحيل لها
                                       فكـــــــم له غرض فيها ومقـصــود
      خير البـــــلاد الذي ما اختاره وطنًا
                                       إلا فتى بجـنـــــــان الحسن مـوعود
      أعظــــــم به بلدًا ناهيــــــك من بلد
                                       أمضى الصوارم فيه الأعين السـود
      تشكو الأسود الضواري فيه مظلمة
                                       من الظبـــــا وأمير الحسـن موجود

طال شوق المتيم


طــــــال شــــــــــوق المتـــــــيم الولهـــــان 
وهــــــو ما بـيــــن ربـــمــــــا وعســــــاني
وانقـــــــــضى العمـــــر في الرجــا والتمني 
عــــــل يومــــــا يكــــون فيه التــــــــــداني
يا أهيــــــل الحـــــــــــجـاز هل من ســـــبيل
 لاجتــــــــماعي بكـــــــم ونيل الأمــــــــاني
عظم الله أجـــــركم في اصـــــــــــــــطباري
 وأدام انشـــــــراحكم في التــــــــــــــــهاني
قســـــــما ســـــــــادتي بحفـــــــــــظ هواكم 
وخضـــــــوعي لعـــــــــــزكم وهــــــــواني
ما تســــــــليت عنــــــــكم بســــــــــــــواكم
 لا ولا غـــــاب ذكـــــــــــركم عن لســــاني
يا رعى الله ســـــــــــادة لي بــــــــــــــــواد
 كنت في حبــــــــهم أســـــــــير افتــــــــتان
بين حـــــــــــــور يزلن أســــــــــــــتار نور
عن بـــــــدور من الوجــــــــوه الحســــــان
أرغـــــــد العيش في الحجــــــــــــــاز ولكن
دونه الفــتـــــــك من عيـــــــــــون الغواني
صـــــــاح قم للســـــــرى على بنت ريـــــح
هي مــثـــــل الطـــــــــــيور في الطـــــيران
حيث تجــــــــري بمن بهـــــــا فـــوق موج 
كاد يعلــــــــو الجبــــــــــــال كالطـــــــوفان
كلـــــــــما صفــــــقت لها الريـــــــــح غنت
 لها على الرقـــــــــص آلة " الفرمــــان "
وتوســــــــط بها " الفجـــــوج " وحــــاذر 

من " ظهار " " الجدير " و " الحساني "

ســـــم باســــــم الإله في مجـــــــــــــــريها
من مرسي "القصـــــــــيـر" قبــــــل الأذان
ريثـــــــــما تشــــــــــرق الغــــــزالة أو في
" ينبع البحـــــــر" مــرتــع الغــــــــــــزلان
وافــــــش مني تحـــــــــــية وســــــــــــلاما
 ثــــــــم عــــــــــرض بذكــــر ما قد دهاني

قل محـــــــــب لكــــــم على نيـــــــــل مصر
 بـــــــاع في نيـــــــــل وصلــــــــكم كل دان






زمان يابن لافي


زمـــــــان يا " ابـــــن لافي " غير وافـي
ووقـــــــت ليس فيه العيـــــش صـــــافـي
وأيـــــام تـمــــــــر بـنــــــــــــا ولـكــــــــن
مـــــــآل الأمـــــــــر فيـــه غيـر خـــــافـي
أتذكــــــــــر حيـن نرتــــــــع فـي ســـرور
ونمـــــــــــرح فـي ميــــــاديـن القـــوافـي
مع الخـــــــل الصــــديق " ابن النقادي "
حليــــــف المكـــــــرمات اخـي العفـــــاف
قــــــضى ذاك الفـــــتى ومـــــضـى وولـى
وبالفــــــــــردوس حـــــــــل بـلا خـــــلاف
وصـــــــــرت أنـا بــــــــواد بيـن قـــومـي
على أســـــــف يطـــــــول بـه انشـــغافـي
وأنت " بينبــــــع " لـم تبـــــــك يـــــومـا
لبــــــــــعـد أخ وفـقــــــــــد أخ مـــــوافـي
فقدت الصــــــــاحبين وعـــــشـت فيــــهـا
كفــــــــاقد ســــــــــاعديـه لـدى الزحــاف
تمــــــــــر علـى ربــــــــوع الحـي ليـــــلا
فلـــــــم تدر الحجــــــــاب مـن الســـجـاف
ولا الربـــــــع المنيـــــــــر بنـــــور حسـن
من الربـــــــع المزخـــــــرف للزفــــــــاف
أمــــــــــا والنــــــــــازلات بـه قـصـــــورا
لهــــــا في القـــــــلـب نازلــــــة ارتجـاف
وما فــــــوق " الجــــوادر " مـن ظـــبـاء
ومـــــــا تحـت المحــــــــابـس واللحــــاف
لئـــــــن أنت بـــــه "جرســــــــان حقـو "
لأســـــــــمعهـا علـى بعـــــــــــــد الفيافـي

وأكلي صــــــحفة " المعـــــــدوس " فيـه
أحــــــب إلـي مـن أكـل الخشـــــــــــــــاف
وشــــــربي فيـــــه من ماء " العصيلي "
ألـــــــذ إلـي مـن رشـــــــــف الســـــــلاف
فإن عـــــــــاد الزمـــــــان وعــــــدت فيـه
كمــــــا قد كنــــــت فـي زمـن ائتــــــلافـي
فلا أنـــــعـي هنـــــــــــاك علـى شـــــيـوخ
ســـــــواك من المشـــائخ يا " ابن لافي "
فأنت الشـــــيخ مقـــــري الضــيف مجري
ســـــــيـول دم الذبـــــــائـح للصـــــــحـاف
عهـــــــــدتـك حافـــــــــظـا ودي ولـكـــــن
أراك أخــــــــــذت عنـي فـي انحــــــــراف
لقد أنســــــــــاك أكــــــل الحــــــوت ودي
وأكــــــل التمــــــــر علــــــمـك التجـــافـي
بحقـــــــك إن دعــــــــوت القـــــــوم ليـلا
لشــــــرب الشــــــاي في حــرم التصافـي
لأني قــــــد مرضــــــــت إليـه شــــــــوقـا
وشـــــــرب الشــــــاي للأمـــراض شافـي

أميـــــــل لـ" زارع " المعـــــــروف حتـى
ولو زرع الجمـــــــــــائـل فـي خـــــــلافـي
فســـــــــلـم لـي علـــــــيـه ســـــــلام عبـد
إليـه يقـــــــــــــــاد منتــــــــــعـلا وحـافـي
أود لـقـــــــــاءه أبــــــــــــــدا ولـكـــــــــن
زمــــــــان يا " ابن لافي " غيــــر وافـي

ابن لافي : هو الأستاذ محمود لافي أحد شيوخ ينبع في تلك الفترة كان شهما كريما
ابن النقادي أحد الأ علام المعروفين في ينبع
السجاف : الستائر
الجوادر بلغة أهل ينبع القديمة : المراتب
المحابس : أغطية الوجه للنساء
جرسان الحقو : الحقو حلية قديمة يضعها النساء في ينبع قديما على خصورهن .تارة تكون بأجراس وتارة بغيرها
المعدوس : وجبة مفضلة في ينبع قديما
العصيلي : بئر ماء في ينبع قديما أصبح الآن حيا من أشهر أحياءها بعد أن اندثر البئر

إلى كم أقاسي

إلى كــــــم أقـــــاسي بأرض الصـــــعيد
من البعــــــد أهــــــوال يـــــوم الوعيـد
ولســــــت أريــــــد بهــــــــا موطـــــنـا
ولكـــــن فـي ينــــــــبـع مـا أريـــــــــــد
ألا من ســــــــــــبيـل إلـى عـــــــــــودة
لـ"باب الشــــــبيبي "و"بـاب الحديـد "
و"حـــــــلة عبس" وما قـد حـــــــــوت
بــــــذاك الحـــــــمى من غـــوان وغيـد
وأنظــــــر إلى كــــــــل خــــــــــود بهـا
كما للظـــــــــبا من عيـــــــــون وجيـــد
وفي كـــــــــل ظــــــبـي حـــــوى وردة
على صـــــــفحة الخــــد في يـــوم عيد
وإن مـــــــــت فـي ينـــــــــبـع معـــرمـا
امـــــــوت بحــــــــب شـــــريـف شهيـد
وكيـــــــف أمـــــــــوت قتيــــــــــلا بهـا
ولي عـــــــــزوة من خيــــــار الصــعيد
رجـــــــال إذا احتـــــــــزمـوا للـــوغـى
أداروا رحــــــــاها بحـــــــرب شــــديـد
وســـــــلوا ســـــــــيوفـا إذا أومضــــت
يراهــــــا لدى ومضـــــــها ابن الرشـيد
أيا ســـــعد إن جئـــــــت فـي حيــــــهـم
بســـــــوق تـراه تجــــــــاه "المسيـد "
وقـــــــام الحـــــــــراج بـه وانقــــضـى
وبــــــان الشــــــــقـي بـــــه والســعيـد
وســـــــــيق الذيـن اتقـــــــــوا ربــــهـم
لـ"ســـــوق الفــــواتي" لأكل الحـــريـد
وقد قيــــــل هــــــــلا اكتفــــــــيتـم بمـا
رزقــــــــتم فقــــــالوا وهـــل من مزيـد
فلا غـــــــرو أن أكلـــــــــــوا نخــــــلـة
ومالــــــــوا لأكـــــــل النــوى والجريـد
أؤلئــــــــك قــــــــوم إذا أبـصــــــــــروا
صحـــــــافا من الــــــــرز أومن ثـــريـد
ترى كلبـــــــهم عنـــــــــدهـا باســـــطـا
ذراعــــــــيه حــــــــرصا ببـاب الوصيد
أمــــــا لو تمكــــــــنـت مـن حيــــــــهـم
وجــــــــــاد إلهـي بعــــــــمـر جــــــديـد
لأخطــــــــتـف مـن بينــــــهـم صحــــفة
وأمضــــي بهـــــا نحــــــــو واد بعــيـد
وإن نــازعـــــــوني لــــدى خطــــــفهـا
فســـــيف ابن لافي يقــــــــد الحـــــديـد
فتى بـــــــــاع كـــــــل الغنـى واشـتـرى
به للثـــــــنـا كـــــــل ذكــــــر حمــــــيـد
ففــــــــاق على أهـــــــل ذاك الحــــمـى
بســـــيف صقــــــــيـل ورأي ســــــديـد
فإن طـــــــــال فـي ينــــــــبـع عمـــــره
فمـــــنه الهـــــــدايا ومنـي القصــــــيـد

المسيد / المسجد بلهجة أهل ينبع وأظن أنه يقصد مسجد ابن عطاء

أخا الندمان


أخا النــــــدمان إن رمت التصــــــــافي
  فحــــــاذر في زمانــــــك من تصـافي
ولا تصـــــفو لمــــن في الناس يبـــدي
 لك الــــود بقــــــــلب غيـــــر صــــاف
ألم تــــــر كلـــــــما استخــــــلصت خلا
 لمحــــــض الود قابــــــل بالتجــــــافي
وإن تصـــــــحب فصــــــــاحب كل حــر
 أخا هـــــــمم " كمحــــمود بن لافي "
فتى في المهـــــــد أرضـــــع ثدي عزم
 وظــــل عن المراضــــــع في انحراف
وحـــــالفه الســـــــــــلاح فكــــــان منه
 بمنـــــــزلة الحســـــــــام من الغـــلاف
ولازمـــــــه الكمــــــــال فشــــــب فيــه 
على التقــــــوى وشـــــاب على العفاف
وقـــــــد دام الوقـــــــار لــــه ولفــــــت 
عمــــــــامته علـــــــيه بلا خــــــــــلاف
وأليـــــــس ثـــــوبه " المحـرود "تيها 
على ثـــــــوب من الإجـــــــلال صـــاف
وجــــــر إذا مـــــشى في الأرض ذيــلا 
من " الفيــــــلان " مســــبول الحوافي
فتـــــــاه على الشـــــيوخ وراح يبـــغي 
مســــــامرة الضــــــيوف على الصحاف
وإن يشــــــكو الضــــــــعيف إليه ظــلما 
من الأعـــــــدا تعـــــــهد بالـكـــــــــــفاف
فصــــــــفه بالكـــــــــمال ولا تغـــــــــالي 
على ما فيــــــــه من حســـــــن اتصــاف
أيا من فــــــــاق ذكـــــــرا عن " بدين " 
وشــــــبه في سمــــــــاحته " بـــلافي "
وجـــــــرد ســـــــيفه في الحي ليـــــــــلا
 فأومــــــض برقـــــــه بيـــن الفيـــــافي
وهز الريـــــــح في اليمـــــنى فأضـــحت 
به أركـــــان " رضــــوى " في ارتجاف
فلا برحــــــــت تـــــــروح لنا وتغـــــــدو
هدايــــاه من التحــــــــــف الطــــــــراف
لقـــــــــــد أوليــــــــتني نعـــــــــما وإني
 ببعــــــض حقــــــوق شكـرك غير واف
كثيـــــر ما بعثـــــــــت بــــــــه إليــــــــنا
وبعـــــــض الشئ من جــــــــدواك شاف
فمــــــن لي أن أقـــــــــوم ببعـــض جزء 
يـــــوازي بعــــض صـــــنعك أو يكــافي
ومــــــن لي أن أعــــــود إلى حمـــــــاكم
 ولو أني أعيـــــــــش بلا احتــــــــــراف
ومــــــن " باب الحـــــــديد" وما يلــــيه
إلى " باب الشـــــبيبي " أمــــر حــــافي
ودونـــــــك يا " ابن لافي " بنــت فـــكر
 تهــــز إليـــــــك أرداف القــــــــــــوافي
لهــــــا وجب الصــــــداق عليـــك خمس 
من الحــاجــــــات حيث الدفـــــــــع واف
" قــــــزاز " و " الدمالج " ثم " حقو "
 يســـــــاق مع الخـــــــزانة واللحـــــاف
فلا تمــــــلك عليــــــــها عنـــــــد قاض
 كقــــــــاضي ينــــــــبع كنز العفـــــاف
يراودهــــــــا وإن لم يحـــــــــظ منـــها 
قــــضى حتـــــــــما بتحــــريم الزفـــاف
فقـــــــابلها بوجــــــه الصـــــــفو دوما
 أخــــــا الندمــــــان إن رمت التصـافي

لا ومن أنشأ الجواري


لا ومن أنشــــأ الجــــــــواري المنشآت 
وقضى فيــــــه لنــــــوح بالنجـــــــــــاة
واصطــــــــفاها ســــــــفنا تجــــري بنا
 فــــوق مــــوج كالجبـــــــال الراسيات
ما تســـــــابقنا إلى واد بهـــــــــــــــــــا 
مثــــل وادي " ينبـــــــع" خير الجهات
بلـــــــــد إذا لم أعـــــش فيـــــــــــه فلا
 عـــــيش لي يهنــــو وإن طالت حياتي
قد تغــــــانى عن ســـما شمس الضحى
 بضــــــياء من وجــــــوه الغانيـــــــات
فيه قـــــوم حالفـــــــوا سمــــــــر القنا 
منـــــذ كانــــــوا في بطــــــون الأمهات
فتـــــية قد طــــــال ما شــــــــادوا البنا
 فـــوق أطــــــراف القــــــنا للفتـــــيات
وأباحـــــــوا دونـــــــه ســــــــفك الدما 
وحــــــموا ذاك الحـــــــمى بالمرهفــات
ما نحــــــوا عن نـــــار حــرب أو قرى
 برهـــــة إلا لأوقـــــــات الصــــــــــلاة
بيـــــــد أني كنـــــــت فيــــــــهم آمنــــا
 لم أخــــــف إلا العيــــــون الناعســات
من غــــــوان بيـــن جــــــرعاء الحمى 
مســــــلمات مؤمنــــــــات قانتـــــــــات
كـــــم بـــه من شــــمس حســــن قلدت 
جيــــــدها شـــــهب النجــــــوم النيرات
ذي عيـــــــون بحشــــا مضنى الهــوى
 فاعــــــلات فاعـــــــــلات فاعـــــــلات
لي فـــــــؤاد فيـــــــه قد غـــــــــــادرته
 ضــــــــاع مني بيــــن أيدي الظــبيات
يا أهيـــــل " الصور " و" القاد " ويا
 عــــرب وادي " ينبـع " وادي المهاة
من لقـــــلب ضـــــــاع في ينبــــــــــعكم
 منبــــــع الحســـــــن ودار الحســـنات
قـــد أخــــــذتم نحـــــــوكم قــــــــــــلبي
فمــــــا  ضــــر لو ألحقــــتموه الكليات
ويـــــح قلــــــبي هــــــل له في حيـــكم
 ملجـــــــأ يرجــــــو به مـــــاء الحيــاة
حــــــل في " حــــلة عبس " أم غــــدا
في بيوت " الصــــور " مأسور البنات
أو لنحــــو " القـــــاد " من جور الظبا 
راح منقـــــــادا لأســـــــباب الوفـــــــاة
ليت شــــــعري هـــــــو حي لم يــــــزل
 أو قضى الحــــــب علــــــيه بالمــمات
ما لأبنـــــــــاء الصـــــــعيد احتجـــــبوا
 عن دمي حتى أضــــــاعوا واجبـــــات
يا بـــــني عـــــمي وقــــــومي ويــــــــا 
عـــــــزوتي من كــــــل مـاض لي وآت
ما عهــــــدت الجـــــبن في أخلاقــــــكم
 بل ولا التســــــــويف عنـــــد الأزمات
مــــا عليـــــــــكم لو أخذتـــــــــم بدمي 
من ذوات الحســــــن حـــــمر الوجنات
لو بذلتـــــــم نقـــــــد دمـــــعي رشـــــوة
 لقضــــــاة الحــــب من جـــــــور الولاة

أو ثبـــــــتم يا لقـــــــــــومي قتـــــــــلتي
 في الهــــوى شـرعا لدى قاضي القضاة
" زارع " المعــــروف في روض الندى
 كافـــــل الحاجــــــات وافي الضـــــمنات
بدر أفـــــــق الشـــــرع مصـــباح القضا 
منهــــــج التقـــــــوى ومنهــــــاج التقاة
لج بحــــــر الفضـــــــل صـــــــــافي دره 
تــــــاج هـــــام الفخــر قاموس اللغــــات
آمـــــــر نــــــــــاه مطـــــــــــاع أمــــــره
 نافـــــــذ الأحكــــــــــام ماضي الكلــمات
خيــــــر قـــــــاض ولي الأحكــــــــام في
عصــــــره أو في العصــــور الماضـيات



البنط


 

أحب أهل المنجارة


أحــــب أهــــل المنجـــــــــارة             من أهــــل ينبـــــع وأهل القاد

وأحـــــب حتى الحمــــــــــارة             وأحــــب بيـــــــــاع المجـــلاد

أكـــــل الدشـــــــيشة بالتـمرة              وصــــلب حــــــوته مشـــوية
ألــــــذ من شــــــــرب الميـــة             على الدجــــاجة المشـــــــوية
حلفــــــت إن ربي عــــدل لي              وعــــــدت في ينــــــــبع ثاني
لا عدس على الحـوت المقلي              وامشي علــيه من غير عاني
واحــــالف الحــــوت الفارس              واغزي على صفحة معدوس
لو كـــان عليــها ألفين فارس              وإلا عليـــــها قطـــع الروس
واغمـــس بكــمي فيها غمس              ولقـــــمتي كبــــــر الحــــــلة
واشـــــبع وأسـكن حلة عبس               واعمـــل أنا شـــــيخ الحــلة
واصــبح بهـا وأمسي فرحان              واشـــرب على طيــب العيشة
في قهـــــوة الشــامي فنجـان               قهــــوة وتعـمــــيرة شــيشة
قهــــــوة وتعميــــــرة دخــان               وأقـــــول لحـــــــامد ولع لي

وإن خس مصـــروفي يا فلان               زارع أفنــــــــدي يدفـــع لي



وبعد فهذه القصائد ليست كل ما قاله شاعرنا حسن عبد الرحيم القفطي رحمه الله ولكنها نماذج نستبين من خلالها المنحى الذي يسير علبه .. فهو شاعر مجيد خلد اسم ينبع وكانت قصائده وثائق تاريخية للأماكن والرجال والملابس والثقافة السائدة وكان تأثره بأهل ينبع كبيرا وكل متتبع لشعره يدرك ذلك

فالعصيلي والقاد ، والمنجارة ورصيف البنط والصور وحلة عبس والخريق وباب الشبيبي وباب الحديد ورقعة السمن وسوق الفواتي كلها أسماء أماكن في ينبع
والسفينة والقطيرة والمجاديف والفرمان مصطلحات بحرية لوسائط النقل في ينبع
والفجوج والظهار والجدير والحساني أسماء مراسي
وزارع وابراهيم عواد ومحمود لافي وابن النقادي شخصيات ينبعية معروفة
والدشيشة والتمرة والمجلاد والمعدوس أنواع من الأكل
والمحرود والفيلان والمحابس أنواع من اللباس
والقزاز والحقو والدمالج حلية
والسجاف والجوادر والخزانة واللحاف أثاث للعروس

إذن هو تراث ينبعي لو لم يضمنه قصائده لما خلد في أذهان الناس .. وشاعر مثله حري بأن نحتفي به وأن ندرس شعره وأن نغوص في أعماق شخصيته لنصل إلى سر هذا الحب الذي كان يكنه لينبع
ولقد دفعني إعجابي به أن أتوجه لرئيس بلدية ينبع قبل ثماني سنوات بطلب تكريمه إما بتسمية أحد شوارع ينبع باسمه أو بالبحث عن ديوانه وطباعته أو بأي صفة يكون فيها التكريم ، وأتمنى أن يتحقق ذلك في القريب العاجل



في الفصل القادم هل كان القفطي تاجرا ؟







قلت في الفصل السابق  أن هذا الشاعر قدم لينبع يدا لا تنسى من الفضل فقد تغنى بها وتشوق إليها وأحب أهلها وتمنى أن يعيش فوق أرضها وأن يدفن في ثراها .. وإنني عرضت اقتراحا بتكريمه

وقد تلقيت رسالة من أحد أقرباء الشاعر من مصر هو الأستاذ أحمد زين الدين يشكرني على مطالبتي بتكريمه واسمه الكامل أحمد زين الدين حامد محمود عمر أحمد زين الدين يلتقي مع الشاعر القفطي في الجد زين الدين .. فرحت برسالته وتبادلنا الرسائل بعدها وكنت أريد أن أعرف أي شئ عن هذا الشاعر الذي شغفني حبا وقد عرفت منه أن للشاعر ديوانا في دار الكتب المصرية غير موجود في الأسواق اسمه ديوان القفطي .. هذا الديوان أعرفه فهو الذي تحصل الأستاذ عبد الكريم الخطيب على نسخة منه من حفيده محمد

أما عائلة الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي فهي موجودة في مدينة قفط بمحافظة قنا وبمدينة القصير بمحافظة البحر الاحمر وفي مدينة القصير كان يوجد منهم الاستاذ كمال الدين حسين الشهير بهمام رحمه الله عضو مجلس الشعب وهو ابن أخ الشاعر الراحل و من الشخصيات المرموقه في محافظة البحر الاحمر وله كثير من المؤلفات منها بونابرت والقصير وكتاب عن القطب وأبو الحسن الشاذلي يجيد من اللغات ستة وعمل مديرا بشركة الفوسفات بالبحر الاحمر.

أما احفاد الشاعر الراحل فيوجد منهم الاستاذ عبده محمد حسن عبد الرحيم علي زين الدين بقفط وهم من الانصار وينتمون الي المدينه بأراضي الحجاز وبالتحديد قبيلة الخزرج ويطلق عليهم في قفط ال الخطيب ويتكون ال الخطيب من عدة عائلات علي رأسها آل أبو علي وآل عبد النور وآل عمر وال الاقرع

وعندما سألته عن حفيد الشاعر محمد محمد حسن عبد الرحيم ناظر مدرسة قفط الذي قابله الأستاذ عبد الكريم الخطيب وأخذ منه نسخة من ديوان جده قال أنه هو نفسه عبده ولكنه الآن مريض وقد تفاقم مرضه بعد وفاة ابنه نسأل الله له الشفاء والعافية

وبدا لي أن الأستاذ أحمد زين الدين لا يعلم عن الفترة التي قضاها جدهم في ينبع شيئا ولكنه أوعدني أن يجمع المعلومات حول حياة جده وعمله في ينبع وأن يوافيني بها وأنا في انتظار ذلك

أما الآن فلا يوجد عندنا لسبر أغوار هذه الشخصية إلا ما كتبه الأستاذ عبد الكريم الخطيب عنه وقصائده التي أثبتها ولذلك سيكون اعتمادنا عليها في تتبع سيرته

تقول السيرة أن والد الشاعر كان من كبار تجار القصير وله تجارة واسعة في ميناء ينبع فأرسل ولده ليساعد أخاه في أعمال التجارة فأحب ينبع واستوطنها ..وهذا القول محل نظر من عدة نواح

1ـ السيرة تذكر أن هناك صداقة قد انعقدت بين الشاعر وابن والي ينبع زارع ابراهيم باشا عواد حاكم ينبع في ذلك الزمان وتعلم وصاحبه العروض على يد رجل يسمى سالم باسودان . والانشغال بالتجارة لا يتيح وقتا لتلقي التعليم هذا أولا

2ـ الشاعر عين مساعدا لولاية ينبع زهاء عشر سنوات وهو يذكر هذا في بعض قصائده التي يمدح بها والي ينبع

مضت لي أويقــــــات بهـــا كنت أجتني
 ثمـــــار الهــــنا من روض أيامـه الغر
وكنـــت أنا الأوفى لتحــــــرير نطـــــقه 
وكنــــت أمين القــول في السر والجهر
أروح أجــــــر الذيــــــل تيــــــــها بعزة 
وأغــــدو قريــر الطرف منشرح الصدر

إذن هو موظف حكومي أمين سر وليس تاجرا وأنا لا أقصد عدم نظامية الجمع بين التجارة والوظيفة وإنما كيف يوفق بين عمله في الدولة وتجارته الخاصة وهما ضدان لا يجتمعان

3ـ القصير ليست بلد تجارة ولا تقوم بنفسها فضلا عن التصدير إلى ينبع وإنشاء تجارة واسعة بها بشهادة الشاعر

              كل النـــــــواحي والبلـــــــــدان 
                                     صــــــارت مدايـــــن معــمورة
              إلا القصــــير فاضــــل خــربان
                                      وأغـــــلب بيـــــوته مهجــورة
              ما في القصير غير أكل الحوت
                                       للأغنـــــــــــــياء والفقـــــرية
              وشــــــرب قهـــوة أبو نبـــوت
                                      شــــرب الجمــــاعة البحــرية
              ناس القصــير ناس المعـدوس
                                      والرز والحـــــوت الناشـــــف
               لكـــــن على الواحــــد ملبوس
                                      تقـــول عليه ملبـــوس كاشف
              من كل واحــد صـــاحب حوش
                                     نصــــب على صــــــاحب دكان
              وخــــذ وفصـــــل خــالي بوش 
                                     وجـــــر في كــــم القفطـــــــان
              من كـــــل واحــــد في دكـــــان
                                      من الجمــــــاعة صــاحب بيت

              ما يمتـــــلك غيـــــر الميــــزان 
                                     وأربع " صـفاري " فيهم زيت
              من كل واحـــــد جــــاي مزكوم 
                                     وكـــان مســـــــافر في جـــــدة
              والأصــــل فيه بحــــري معدوم 
                                      وصنـــــعته جـــــــر " المدة "
              وعــــند قهــــــــوة أبو نبـــوت 
                                     يقعــــد ويشخط في " البوري"

ويقول فيها أيضا  :

          مافي القصـــــير بلـــــح ولا رطب 
                               وليس فيــــه قصـــــــب ولا عــنب
          مافيـــه غير الفحم زاخرا والحطب
                                ومــــاؤه المأسـون من دبغ القرب
يســـــعى إليه من طلــــــوع الفجر

           مهــــدم الأركــــــــان والبيــــــوت
                                وليس في أســـــــواقه من قـــوت
           سوى " الصرنباق" ولحم الحوت 
                               وقهــــــوة عنـــــــد " أبي نبوت "
يشـــــربها الجــــوعان بعد العصر

          تجــــارة القصـــــير في الحـــلافي 
                               ومـــاله في البخــــس والإتـــــلاف
          وكيـــــله يا صــــــاح غيـــر وافي
                               وأهـــــله من شـــــدة التجـــــــافي
قد عـــــاملوا ســــــواهم بالضــــر

          إن القصـــــير بلــــد التكاســـــــــل 
                               وملجــــــأ للفـتـــــــــية التنـــــــابل
          وهـــــل رأيت في الورى من عاقل 
                               يبــــــدل الأريــــــاف بالســـــواحل
ويـــــرتجي بســــــكنه في القــــفر

إذن ما التجارة التي تصدرها القصير إلى ينبع في ذلك الوقت وهي على هذه الحال التي يصفها الشاعر ؟ فالفحم والحطب موجودان في ينبع وكانت تصدرهما إلى مصر وكذلك الصرنباق والحوت ووصف الشاعر للقصير في تلك الأيام بهذا الوصف الدقيق لا يؤهلها لأن تصدر شيئا لأي بلد في الدنيا

ولقد تتبعت قصائد الشاعر فلم أجد فيها بيتا واحدا يشير إلى التجارة لا من قريب ولا من بعيد وهذا أمر لا يعقل من شاعر تحدث عن كل شئ في ينبع إلا العمل الذي يمارسه .. بينما هو قد تطرق إلى عمله في أمانة سر الولاية

هذه الاستنتاجات تنفي أنه كان يعمل بالتجارة إضافة إلى ما سوف يأتي من حزنه على الرحيل عن ينبع وإصراره على العيش فيها واشتياقه إلى الشاهي الذي كان يشربه في بيت " ابن لافي "  وهذا ما سوف نواصل البحث فيه إن شاء الله





في الفصل القادم هل كان القفطي يحب ينبع حقا ؟


المتتبع لإنتاج الشاعر يلاحظ دون عناء أن كل قصائد الشاعر التي يذكر فيها ينبع ويصور فيها حرارة الشوق ولواعج الاشتياق والتحسر على أيامه الماضية فيها وحنينه إلى العودة إليها ماهي إلا مدخل لمدح أمير ينبع إبراهيم باشا عواد أو نجله زارع أو أديبها الكبير محمود لافي
هذا الملحظ موجود في كل القصائد دون استثناء ففي قصيدة السفينة بعد أن مر على ذكر ينبع والشوق إليها خلص إلى المديح والإطراء لوالي ينبع

لقد ســــــبقت لله فيـــــــــكم محــــــــــبة
 فصـــار " ابن عواد " لكــم والي الأمر
كثير النـــــدا رب الصـــــــنيعة في العدا
 طـــويل المدا وافي الجــدا واحد العصر
كريم حــــــوى في بطـــــن راح يمـــينه
 ســـــبيلا بها الأرزاق تنســــــاب كالتبر
ســــخي إذا ما الغــــــيث ســــــح بودقه
 يســـــيح لنا من جــــــوده وابل القطــر
على المــــــال بذلا ســــــــلط الله كفــــه
 فلم يبــــق منه في الديـــار سوى الذكر
وإن جئـــــت تبــــغي منه أية حـــــــاجة
 رأيـــــت محـــــــياه تهـــــــــلل بالـــــدر
فمن وجـــــــهه تبدو الســــماحة للورى
 ومن كـــــفه للنـــــاس أمــــن من الفقر
مضـــــت لي أويقــــــات بها كنت أجتني
 ثمار الهــــــنا من روض أيــــــامه الغر

وكنــــــت أنا الأوفى لتحــــــــــرير نطقه

 وكنت أميـــــن القول في السـر والجهر

أروح أجـــــــر الذيــــل تيــــــــها بعـــزة 
وأغدو قريـــــر الطــرف منشرح الصدر
أما لو وهبــــت الروح شــــكرا لفضـــله
 لما قمت بالمعشـــــار من واجب الشكر
ولن أنسى طـــــول الدهر حسـن صنيعه
 إذا عشت أو إن ضـمني اللحد في القبر
فكم غمـــــرتني بالـنـــــــوال يميـــــــــنه 
وكم توجتـــــــني بالمهــــــــابة والبـــــر
فنـــــــذرا إذا جـــــــاد الزمـــان بعودتي 
ونوديت بالترحـــــيب من جــانب القصر
لأدخـــــل من أبواب ســــــاحة جـــــوده
 وأمــــلأ من أصــــــناف أمـواله حجري
وأرفــــل بعد الفقـــــر في حلـــــل الغنى
 وأغــــــمد ســيف اليسر في هامة العسر
ألا أن " عـــــوادا " تعــــــــــود كلـــــــما 
تجـــــــلى له وجه الســـــعادة في الدهـــر
تمنى على الرحـــــــمن نســــــلا مبـــاركا
فجــــــــاء بـ " إبراهيم " في ليـــلة القدر
فطــــــين بما يــــــأتي بصـــــــير بما أتى
 خبــــــير بما يجــــــريه في النهي والأمر
رؤوف على المســـــكين يبـــــدي بشاشة
 ويعظـــــــم في عيـــــن الذي تـــاه بالكبر
ويعفـــــو عن الجــــــــاني المـسـئ تكرما
 ويقبــــــل أعــــــذار الذي جـــــاء بالعذر
إذا رام أمــــــــرا هـــــــم فيــــه بهــــــمة 
وعــــــزم قـــــــوي جل عن قــوة الصخر
لقد حــــــــاز بالإجـــــــمال كل فضـــــــيلة 
وفصــــــل في أحكــــــــامه حسـبما يدري
فلـــــــولاه ما كانت " جهـــــينة " تهتدي
 إلى الحـــــكم والأحــــكام في البر والبحر

ولولا أنـــــــــاة فيــــــه عــــــزت لأوقدت 
" قبائــــــل حــرب " زفرة الحرب بالجمر
يقود زمــــــام العـــــــرب باللين والســخا
 ومن لم يقــــــد بالليــــــن ينقــــاد بالجبر
ومن يستـــــــــحق البــــــــر أولاه بـــــره 
ومن يســــــتحق الزجــــــر وافـاه بالزجر
ألا إن " إبراهــــــــيم " ســــاس أمـورهم
 وألــف بين الشــــــاة والذئـــب في البــر
وقدم إنصــــاف الضـــــــعيف على القوي
 وقام بنصـــــر العبـــــــد رغــما من الحر
وقد جـــــد في إصــــــلاح كل قبيــــــــــلة
وكــــــف أكـــــــف المعــــــتدين عن الشر
فأمســــت به عيـــــن الزمــــــــــــان قريرة
 كما دهــــره أضــــــحى به باسم الثـــــــغر


وبعد أن فرغ من ذكر ينبع في قصيدة " يا قلب دعني " خلص إلى مدح "زارع " أبن إبراهيم عواد

                 أولم تر الرحــــــمن أولى أهـــــله 
                             عز الجــــــــوار كرامــــــــة لبنيه
                 فأعاد صــــــولة " آل عواد " له
                              وأقــــــام فيه " زارعا " كأبيـــه
                 مولى أقــــــر العــــــدل فيه بعدما
                              كادت مظــــــــالم غيــــــره تفنيه
                 مرآة والـــــده وبهــــــجة أهـــــله 
                             وســــــراج عتــــــرته وبدر ذويه
                 حبر إذا لهــــــج اليـــراع بوصفه
                             وافتــــه ألســـــنة الثــــــنا تمليه
                يقضي بحـــــق عــــدوه وصديقه 
                            حتى لو إن الحــــق عنــــــد أخيه
                ما في الأفاضــل منه أشرف رتبة
                             كلا ولا في الفضـــل من يحـــكيه
                لو أن للشـــــمس المنـــــيرة ماله
                              من رفعــــــة لتخــــــطرت بالتيه
                     أو لو أتت في كفـــــــه يوم الندى
                              لم يعتبــــــرها درهـــــــما يعطيه
                  أو لو تزوجــــــت الثــــــــريا ليلة
                             بالبــــــــدر ما حمـــلت له بشبيه
                 فطــــــن حــــــوى من كل فن لبه 
                            وروى العـــــلوم وفــــاق كل بنيه
                ما عطـــــــر الناـدي بطيب حديثه 
                             إلا وفــــــاح المســــــك من ناديه
                أو لو سـرى في الليل حادثة يرى
                              نــــــورا بدا من نـــــــوره يهديه
                فالفضــــــل يعــــــرفه ويشهد أنه 
                             هو عــــــز دولـــــته وفخـر ذويه
                يا حـــبر هذا العصـــر يا مفضاله
                             يا " زارع " المعروف في أهليه

وفي قصيدة " زمان يابن لافي " يمدح محمود لافي بعد وصف حنينه إلى ينبع طبعا
فإن عـــــــــاد الزمـــــــان وعــــــدت فيـه
كمــــــا قد كنــــــت فـي زمـن ائتــــــلافـي
فلا أنـــــعـي هنـــــــــــاك علـى شـــــيـوخ
ســـــــواك من المشـــائخ يا " ابن لافي "
فأنت الشـــــيخ مقـــــري الضــيف مجري
ســـــــيـول دم الذبـــــــائـح للصـــــــحـاف
وفي القصيدة الأخرى " أخا الندمان " كذلك

وإن تصـــــــحب فصــــــــاحب كل حــر
 أخا هـــــــمم " كمحــــمود بن لافي "
فتى في المهـــــــد أرضـــــع ثدي عزم
 وظــــل عن المراضــــــع في انحراف
وحـــــالفه الســـــــــــلاح فكــــــان منه
 بمنـــــــزلة الحســـــــــام من الغـــلاف
ولازمـــــــه الكمــــــــال فشــــــب فيــه 
على التقــــــوى وشـــــاب على العفاف
وقـــــــد دام الوقـــــــار لــــه ولفــــــت 
عمــــــــامته علـــــــيه بلا خــــــــــلاف
وأليـــــــس ثـــــوبه " المحـرود "تيها 
على ثـــــــوب من الإجـــــــلال صـــاف
وجــــــر إذا مـــــشى في الأرض ذيــلا 
من " الفيــــــلان " مســــبول الحوافي
فتـــــــاه على الشـــــيوخ وراح يبـــغي 
مســــــامرة الضــــــيوف على الصحاف
وإن يشــــــكو الضــــــــعيف إليه ظــلما 
من الأعـــــــدا تعـــــــهد بالـكـــــــــــفاف
فصــــــــفه بالكـــــــــمال ولا تغـــــــــالي 
على ما فيــــــــه من حســـــــن اتصــاف
أيا من فــــــــاق ذكـــــــرا عن " بدين " 
وشــــــبه في سمــــــــاحته " بـــلافي "
وجـــــــرد ســـــــيفه في الحي ليـــــــــلا
 فأومــــــض برقـــــــه بيـــن الفيـــــافي

وهز الريـــــــح في اليمـــــنى فأضـــحت 
به أركـــــان " رضــــوى " في ارتجاف

وهكذا في كل القصائد الخاصة بينبع وتكاد هي أكثر ماأثبته الأستاذ عبد الكريم الخطيب من قصائده

وقد يقول قائل : وما العيب في هذا ؟ فالمدح باب كبير من أبواب الشعر العربي وطرقه كثير من الشعراء العظام ولولاه لما عرفنا حياة أكثر الشخصيات الممدوحة
وهذا القول صحيح بالنظر إلى هدف الممدوح فإن كان القصد منه الثناء على أرباب الفضل وأصحاب المعالي دون النظر إلى مكسب شخصي فلا بأس به بل أنه مطلوب كما كان يفعل زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان والإشادة بدوره في الصلح بين عبس وذبيان حتى لو ناله شيئ من العطاء بعد ذلك فإنه لم يطلبه ولم يكن هو هدفه

"قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن هرم بن سنان: أنشدنى ما قال فيكم زهير: فانشده فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن! قال: يأميرالمؤمنين و كنا نعطيه فنجزل قال: ذهب ما أعطيتموه و بقى ما أعطاكم"

وهذا كلام حق وينطبق على شاعرنا القفطي فقد خلد ينبع في قصائده وبقي مدحه لإبراهيم وزارع ومحمود لافي ,, وذهب ما وهبوه له من الأموال

نحن لا نتحدث عن هذا ولكن نتحدث عن التكسب بالشعر والاتجاه إلى المدح طمعا في المال والأستاذ الرائد محمد حسن عواد كان يصف شعراء المدح بحملة المباخر وأن شعرهم لا يعبر عن أهداف الشعر وإنما يلبس لكل حالة لبوسا .. وهذا ما كان يعاب على شاعر العربية الكبير المتنبي .. لايعيب الشاعر فنيا ولكنه يقدح في مروءته وينقص من كرامته الشخصية أما فنيا فقد يتقمص الحالة ويكسبها صدق العاطفة وحرارة المشاعر تبعا للقدرة والتمكن الشعري وهو ما كنا نلحظه في مدائح المتنبي وفي مدائح شاعرنا القفطي
ولو قارناها بمدائح زهير لهرم بن سنان وهي مدائح صادقة لا تهدف إلى التكسب كما ذكرنا لوجدنا أن مدائح المتنبي ومدائح شاعرنا القفطي تفوقها بمراحل رغم أنها ليست صادقة

أقول ليست صادقة لأن كل مديح ينتهي باستجداء صريح دون تردد فإنما يعبر عن حالة ليست صادقة حتى لو استطاع الشاعر ببراعته أن يلبسها صدق العاطفة وحرارة المشاعر
أنظر في " السفينة " بعد الفراغ من المدح ماذا قال

فنـــــــذرا إذا جـــــــاد الزمـــان بعودتي 
ونوديت بالترحـــــيب من جــانب القصر
لأدخـــــل من أبواب ســــــاحة جـــــوده
 وأمــــلأ من أصــــــناف أمـواله حجري
وأرفــــل بعد الفقـــــر في حلـــــل الغنى
 وأغــــــمد ســيف اليسر في هامة العسر

وقد بدا الهدف من المدح جليا (أملأ من أصناف أمواله حجري ) ولفظة أمواله هنا تحدد الهدف تماما فهو لم يقل أفضاله أو كرمه أو ما شابهها
وفي المجداف السادس يقول :

            من عاش في كنف " ابن عواد " رقى
                                   أوج الكمـــال وعــاش في عيش الهنا
            مــــا في الورى شــــخص فقـــــير أمه
                                   إلا وبعــــــد الفقـــــــر أصبح في غنى






ومن قصيدة طويلة يمدح فيها زارع إبراهيم عواد ويطلب منه أن يتوسط له عند والده يختمها بما يلي :

فاذكــــره با " زارع "الخيرات فيه لدى
  أعتاــــب والدك الســـامي على الرتب
وقل لناظــــــمها الراجي مكــــــــــارمكم
 أقبــــــل وأرخ تجــــد ما شئت عند أبي

وقصيدة إلى كم أقاسي التي يمدح فيها محمود لافي يختمها بهذا البيت الذي يدل على أنه لا يقدم القصائد دون ثمن

            فإن طــــــــال فـي ينبـع عمـره
                       فمنه الهـــــدايا ومنـي القصيـد

وقصيدة أخا الندمان يشبهها بالعروس التي تحتاج إلى صداق ويحدد الصداق ( خذ وهات ) وذلك بعد أن يفرغ من مدح ابن لافي

ودونـــــــك يا " ابن لافي " بنــت فـــكر
 تهــــز إليـــــــك أرداف القــــــــــــوافي
لهــــــا وجب الصــــــداق عليـــك خمس 
من الحــاجــــــات حيث الدفـــــــــع واف
" قــــــزاز " و " الدمالج " ثم " حقو "
 يســـــــاق مع الخـــــــزانة واللحـــــاف
فلا تمــــــلك عليــــــــها عنـــــــد قاض
 كقــــــــاضي ينــــــــبع كنز العفـــــاف
يراودهــــــــا وإن لم يحـــــــــظ منـــها 
قــــضى حتـــــــــما بتحــــريم الزفـــاف

فقـــــــابلها بوجــــــه الصـــــــفو دوما
 أخــــــا الندمــــــان إن رمت التصـافي

وقصيدة (أحب أهل المنجارة) يختمها بهذه الأبيات التي يصف فيها جلوسه في قهوة الشامي والطلب على حساب زارع أفندي

                قهــــــــــوة وتعميرة ودخان

                   وأقول لـ " حامد " ولع لي

                وإن خس مصروفي يا فلان
                  " زارع " أفنـــدي يدفع لي

وهو يطلب أي شئ حتى الشاهي إذا اشتهاه

        بحــــــقـك إن دعـــــوت القـوم ليـلا
                            لشـــرب الشــاي في حرم التصافـي
       لأني قـد مرضـــــــت إليـــــه شوقـا
                           وشـــرب الشـــاي للأمـراض شافـي

هذا مالا حظته في كل قصائده التي تبدأ بذكر ينبع ثم تفضي إلى المدح ثم تنتهي بالسؤال وهو يفرط أحيانا في السؤال فيحدد ما يريد بالضبط دون أن يضع اعتبارا لشخصيته أو كرامته وتأمل معي الخضوع المذل في آخر قصيدة( زمان يابن لافي)  وهو يطلب منه أن يبلغ السلام إلى زارع

                 فسلـم لـي عليـه سـلام عبـد
                                    إليـه يقـاد منتعـــلا وحـافـي




وهذه النماذج من الاستجداء المتواصل تؤيد ما توصلنا إليه في الفصل السابق  بأن القفطي لم يكن تاجرا وإنما كان يتكسب بالشعر أليس هو القائل:

تعلمت نظــــــم الشـــــعر قصدا لمدحه

 ففقت جريرا وامرأ القيس في شعري

فإن رمت فيه المـــــدح جادت قريحتي 
بما تزدري بالـــــدر في النظـــم والنثر



حي الصور


في الفصل القادم هل غادر الشاعر ينبع بطوعه واختياره ؟ وما الذي منعه من العودة ؟



حي المنجارة


تذكر السيرة أن الشاعر حسن عبد الرحيم القفطي غادر ينبع في عام 1288هـ بقصد زيارة أهله وأنه ترك في ينبع ابنتيه ( خديجة وربيعة ). ومعنى هذا أنه غادر ينبع بطوعه واختياره وأنه عازم على العودة إليها عما قريب فما الذي منعه من العودة ؟ يقال أن السبب كان وفاة والده في هذه الظروف كما ذكر في قصيدة القطيرة

              ما عاقني عن رجوعي في أماكنها
                                    إلا تراكـــــم أحــــــزاني بموت أبي

ولكن هذا القول لا يستقيم بالنظر إلى عاطفة الأبوة التي ستدفعه حتما إلى الإسراع بالعودة إلى ابنتيه اللتين تركهما وحيدتين في ينبع ومهما كان من أمر حزنه على أبيه فإنه سوف يسلاه بعد حين والأمر الأخر أنه كان يتحسر ويتمنى رد أوقاته التي سلفت في ينبع ويسأل عن السبيل للعودة إليها
  
ياأهـــــــــل ذاك الحـــــمى كيف السبيل إلى
 قــــــــلبي الذي نشــــــــــأ في حبكم وربي
ناديـــــــته يـــــــــوم ترحــــــــــــالي أحدثه 
بإنني راحـــــــــل عنـــــــــــه فلم يجــــــــب
من ذا يلــــــوم على شــــــــــوقي إلى بلـــد
العيــــــــش في غيــــــــره للقــــلب لم يطب
ما عــــــــاقني عن رجــــــوعي في أماكنها
 إلا تراكــــــم أحـــــــــــزاني بمــــــوت أبي
ما بال دهـــــــــري إذا ما رمت نجــــــــدته 
في مطـــــلب ســــــاءني بالعكس في طلبي
من لي بــــــرد أويقـــــــــات لنا ســــــــلفت
 في ينبـــــــع الخـــــــير والآمـــــال والأدب

والمسألة يسيرة يقطع أحزانه ويحزم حقائبه ويعود حيث لا توجد في ذلك الزمن عوائق بين البلدان ولاتأشيرات خروج ولا عودة .. وكما غادر بطوعه واختياره يعود بطوعه واختياره وليس هناك ما يوجب الحسرة أو السؤال عن سبل العودة ولكن يبدو أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك فهناك من يقف حائلا أمام رغبته في العودة .. وهذا يدفعنا إلى أن تظن أن خروجه من ينبع لم يكن باختياره ويؤيد هذا الظن قول الشاعر

أحبـــــــها وأحـــــب القاطــــــــــنين بـــــها 
وإن جفــــــــــوني بــــــلا ذنــب ولا ســـبب
ياأهـــل ذاك الحمى كيــــــف الســــبيل إلى    
 قــــــلبي الذي نشـــــــــــأ في حبكم وربي
ناديــــــته يــــــوم ترحــــــــالي أحــــــــدثه 
بإنـــــــني راحــــــــل عنــــــــه فلـــــم يجب

إذن هناك جفوة من أهل ينبع لايجد لها سببا فهم لم يردوا على ندائه عندما قال لهم أنه راحل .. وهذا يعني أنه خرج منها مكرها .. بل أنه تمنى أن تحترق المركب التي حملته من ينبع كما قال في المجداف الثاني


             لا رعــــــى الله مركــــبا حملتني 

                             من ربا " ينبع " لأرض الصعيد

             لو تملكــــــتها لقــــــلت ذروهــا 
                             إنهـــــــا مســــــتحقة للوقــــــود

وأمر آخر يؤكد أن الجفاء متبادل بين الشاعر وبين أهل ينبع وليس كما قال لايجد له سببا فهو قد غادر ينبع في عام 1288 هـ وانقطعت أخباره تماما إلى أن جاء عام 1299هـ عند ذلك تذكر ينبع وهاجه الشوق إليها وأرسل أول رسالة إلى والي ينبع إبراهيم عواد وهي الرسالة التي حملت السفينة والقطيرة والمجاديف ثم توالت الرسائل بعدها ولكن بعد مرور أحد عشر عاما وهي مدة ليست باليسرة على أب يعاني لوعة فراق ابنتيه ولم نجد طوال هذه الفترة قصيدة واحدة تشير إلى ينبع أو من يسكن ينبع فما الذي جعله يتذكرها بعد كل هذه الفترة هذا ما سوف نعود له في الفصل  القادم .. أما الآن فسأعرض عليكم ما كتبه في رسالته بعد هذا الانقطاع بعد أن قدم القصيدة بما يلي :

" يقول راجي عفوه الكريم حسن بن عبد الرحيم أنه قد سبق لي الإقامة في ينبع البحر وقطعت بها مدة من الدهر وكنت إذ ذاك سابحا في بحر جود من شملني بنعمته الوافية وألبسني من ملابس العز ما يفضل ثوب العافية وهو والي هاتيك البلدة ومشيرها ومدير إدارة أحكامها وخبيرها . والجامع بين فضيلتي الشرع والسياسة الأجدر بما يفوق هاتيك الرئاسة المؤيد بتأييد الدولة العلمية والقائم بحقوق الأمارة الجليلة الملكية عين أعيان الأمجاد صاحب السعادة إبراهيم باشا عواد فأقمت ببابه أياما هنية في عيشة راضية مرضية ثم تشوقت لزيارة والدي والإخوان فالتمست إذنه في ذاك الأوان

واتجهت إليهم بقطار الصعيد وأقمت بينهم ولم أكن على نعمته ببعيد بل أني لم أفتر عن ذكر طيب عيشه السالف ولم أزل أستنشق الأخبار عنه من كل خبير وعارف ولما طال شوقي للثم يديه ولم يساعد الوقت على ترحالي لسدة ناديه تلطفت بنظم قصيدة مادحا بها حضرته الفخيمة وشاكرا بها أياديه العميمة وأسميتها السفينة الينبعية وقد أردفتها بقطيرة تجري من خلفها مشتملة على ذكر الديار ووصفها وجعلت للقطيرة ستة مجاديف فصارت من أبدع كل شئ لطيف وبعثت بها لحضرة المومأ إليه راجيا إكرامها بالقبول لديه "

ثم كتب في الرسالة

"المعروض لسعادتكم أنه مرسل به لحضرتكم السفينة الينبعية وقطيرتها ومجاديف القطيرة أما السفينة فهي لبنتين في ينبع البحر إحداهما صبية والأخرى رضيعة وهما إبنتاي "خديجة " و "ربيعة" فأردت أن أستودعهما عندك إدخارا لهما وكسبا لئلا يتناولهما من يأخذ كل سفينة غصبا وأما قطيرتها فلو تأملتها بعين فطنتك الشهيرة لقلت يا ويلتي ما لصاحيها لا يغادر صغيرة ولا كبيرة

فأسألك بحق نجليك ( زارع وياسين ) ومن يليهما من البنات والبنين ألا تدع قبل الراحة وتشوقي لتقبيل عتبات الساحة كيف لا وأنا أناديك وأتمنى وقوفي بسدة ناديك ....

فليت شعري متى أعود كما كنت مقيما وأشكر فضل أياديك حادثا وقديما وأحظى برؤية خديجة وربيعة وأشكر الله وإياك على هذه الصنيعة إذ هما في مدينتك التي لا زلت ترعاها بعين الإنصاف وأنا لا زلت أكابد شوقي لهما بأودية الأرياف فأسألك الله السميع المجيب أن تجمعني بهما في ظل نعمتك عن قريب"

والرسالة موجهة إلى والي ينبع إبراهيم عواد فهل نفهم منها أنه هو الذي يقف في طريق عودته إلى ينبع ؟ أو لربما أنه هو من أمر بإبعاده . ذلك أمر واضح فكل التوسلات ورسائل الاسترحام وطلب الوساطات موجهة إلى إبراهيم عواد .. تابع معي من أشعاره

أما آن لي وقــــــــت أرى فيـــــه موقــــفي
                                  تجـــــــاهك في نــــــاد به مصــــــدر الأمر
فما ضــــــــر " إبراهــــــــيم " يوما لو أنه
                                  بمجــــــــلسه أجـــــــرى على فـــمه ذكري 

00000000000
ألســـــت يا "آل عـــــواد" بعثت لكم 
مدحــــا ولكنه من أعجــــــب العجب

عهدي بكـــم لم أغب عن ظل نعمتكم
 إلا بعثـــتم رســول الجود في طلبي
فما لكم قد نســــيتم عهــــد مرتكزي
 ببابكـــــم وصـــــرمتم حبل مغتربي
فتى مقيــــــم بأوديـــــة الصـعيد لكم 
على الدعــــــاء مدى الأيـام والحقب
عزيــــــز قـــــــوم به لكـــن معيشته 
في غير سـاحة " إبراهيم " لم تطب
حتى متى يتمـــــــنى أن أعـــود إلى
 أعتـــاب أبوابكـــــم سيري ومنقلبي

00000000000

         طـــــال شــــوق المتيـــم الولهان
                              وهـــو ما بين ربما وعســــــاني
         وانقضى العمر في الرجا والتمني
                             عــــل يوما يكـــــون فيه التداني
         يا أهيــــل الحجـــاز هل من سبيل
                              لاجتـــماعي بكم ونيـــــل الأماني
         عظـــم الله أجــركم في اصطباري
                              وأدام انشــــراحكم في التهــــاني
         قســــما ســـــادتي بحفـــظ هواكم
                              وخضــــوعي لعـــزكم وهـــواني

00000000000

        إلى كــــم أقـــاسي بأرض الصــعيد
                                   من البعــــد أهــــوال يوم الوعيــــد

        ولسـت أريــــــــد بهــــــا موطنـــــا
                                   ولكـــــن فـي ينبــــــــع مـا أريــــــد
        ألا مــــن ســــــبيـل إلـى عـــــــودة
                                  لـ"باب الشـبيبي "و"بـاب الحديـد "
       و"حــــــلة عبس" وما قـد حــــوت
                                   بذاك الحــــمى من غــــــوان وغيـد

نخرج من ذلك إلى أن أمر عودته مرهون بموافقة والي ينبع إبراهيم باشا عواد وإنه أبعد عن ينبع قسرا والشاعر نفسه ذكر ذلك في هذا الموال الجميل الذي أتمنى أن يصدح به أحد فناني ينبع الشعبيين

جرحي اتسع في حشايا واتساعه زاد
أصبحت من لوعتي صايم ما اذوق الزاد
يا ناس ياللي سكنتم في "الخريق والقاد"
أنا عملت أيه يا اسيادي بواديكم ؟
يوجب لطردي وبعدي عن أراضيكم
إن كان غيابي وطول البعد يرضيكم
أمري لمولاي ومسير الغريب ينعاد

إذن هو مطرود ! ولكن العجيب أن هذه الاسترحامات والاستعطافات والشكوى والفراق والشوق إلى موطن الأحباب ووصف الديار وأماكنها وأهلها لم تشب في فؤاد الشاعر إلا بعد مرور أحد عشر عاما من رحيله عن ينبع فهل هناك من سبب ؟ نعم !!



في الفصل  القادم نواصل البحث في سبب إبعاد
الشاعر القفطي عن ينبع

قلت أنني أرجح أن القفطي خرج من ينبع مطرودا وليس عندي ما يؤيد قولي إلا ما ذكره الشاعر نفسه ولكن مثار التساؤل هنا :
ما الأسباب التي كانت وراء إبعاد الشاعر عن ينبع ؟

بعد التنقيب في قصائد الشاعر التي وصلت إلينا أستطيع أن أضع عدة احتمالات وقد يكون أحدها أو كلها هي السبب

الاحتمال الأول / ضلوع أمير ينبع في مؤامرة على أمير مكة

قلنا في الحلقة السابقة أن الشاعر القفطي غادر ينبع في عام 1288هـ على أمل أن يعود سريعا لأنه أبقى في ينبع ابنتيه خديجة وربيعة ولكنه لم يعد ,,
وفي عام 1297هـ ألقي القبض على بعض أعيان الحجاز ومنهم إبراهيم آل عواد حاكم ينبع وأرسلوا مقيدين إلى الاستانة بدعوى أنهم ضالعون في مؤامرة ضد الشريف عبد الله بن عبد المطلب أمير مكة وحكم عليهم بالقتل ثم عفي عنهم
ولقد وجدت خلال بحثي عن هذه الحادثة وثيقة عثمانية تنص على ما يلي :

بناء على ما أبداه دولة سيادة أمير مكة المكرمة جناب عبدالمطلب أفندي من حاجة سياسية، فإن الأشخاص الذين أرسلهم إلى إستانبول، ووضعوا في السجن العام بصفة مؤقتة، ونظرًا للاستدعاء المشفوع بالواسطة المقدمة منهم، فقد أخليت سبيلهم، وهم: قائمقام ينبع الأسبق أمير الأمراء إبراهيم عواد باشا، والشيخ ضيف الله والشيخ جابر، وشيوخ عربان البدو القاطنين في منطقة الطائف. وبناء على أن إعادتهم في الوقت الراهن إلى مكة المكرمة لا يوافق المصلحة العامة، كما أن وقايتهم من الوقوع في ضنك من العيش لا يلائم شأن جناب السلطان؛ ولذلك فقد تقرر منح إبراهيم عواد باشا مبلغ ألف وخمسمئة قروش، والشيخ ضيف الله والشيخ جابر مبلغ خمسمئة قروش لكل واحد منهما، على أن يستوفي ذلك من الخزينة الجليلة شهرًا بشهر، بعدهم ضيوفًا، ويصرف لهم المبلغ المذكور راتبًا مؤقتًا طيلة بقائهم في إستانبول، ويسلم لهم شخصيًا من خلال إدارة المراسم السلطانية بالديوان الهمايوني، حيث صدر بذلك المرسوم السلطاني. والأمر والفرمان لحضرة من له اللطف والإحسان.

على رضا 5 ذو القعدة 1299هـ

والملاحظ في هذه الوثيقة أن المذكورين قد أودعوا في السجن بإستانبول مدة من الزمن بشكل مؤقت، ثم أخلى سبيلهم، على أن يعودوا إلى موطنهم الحجاز؛ غير أن الباب العالي وقبل أن يسمح لهم بالعودة قام بإبداء رأي أمير مكة المكرمة في الموضوع، فأظهر اعتراضه على عودتهم بحجة عدم مواءمة ذلك للمصلحة العامة. فبقي المذكورون في إستانبول بعد ذلك منفيين لمدة سنتين ، دون المكوث في السجن. فقيض لهم الباب العالي راتبًا شهريًا لكل واحد منهم. ثم عادوا بعد ذلك

نعود إلى قصة شاعرنا حسن عبد الرحيم الذي غادر ينبع عام 1288هـ أي قبل إلقاء القبض على إبراهيم عواد باشا بتسع سنين ! ولم يتصل أو يسأل عن الأمير أو عن ابنتيه إلا بعد مرور أحد عشر عاما على خروجه من ينبع أي في عام 1299هـ وهو العام الذي أفرج فيه عن إبراهيم باشا عواد وعاد إلى ينبع

ألا يوحي هذا بأن الشاعر حسن عبد الرحيم كان على علم بهذه المؤامرة (إن لم يكن ضالعا فيها )بحكم عمله أمين سر الأمير إبراهيم عواد وأنه غادر ينبع خشية افتضاح أمره وأيضا فإن تركه لابنتيه يحتمل أمرين إما أنه تركهما ليوحي لأمير ينبع أن عودته ستكون سريعة وأن انتقاله لم يكن نهائيا وإما أن الأمير نفسه هو الذي احتجزهما عنده ليضمن بذلك عودته واحتمال احتجاز الأمير لهما هو الأرجح لأن القفطي لم يتصل بالأمير أو يسأل عن ابنتيه إلا بعد أحد عشر عاما وبعد إن اطمأن إلى نفي إبراهيم عواد ثم عودته مبرأ .. لأنه كان يسأل عنه ويستنشق الأخبار من كل خبير وعارف كما أشار في مقدمة قصيدته " السفينة " وهي أول قصيدة يرسلها إلى والي ينبع بعد هذه الفترة الطويلة
وتاريخ إرسال السفينة والقطيرة والمجاديف غير مدرج ولكنا عرفناه من الأبيات التي يشير فيها الشاعر إلى هذه الحادثة

ألم تــــــــر أن الله ثبــــــــــت قـــــــــــــوله 
ونجـــــــــاه ممــــــن كاد يرميــــــــه بالغدر
مضى كهـــــــلال الأفق من أرض " ينبع "
 وقد جـــــاء من " أم القرى " وهو كالبدر
وما راح إلا كـــــــــارها شـــــــــر فتـــــــنة 
وما عـــــــــــاد إلا بالـثـــــــناء وبالنـــــصر
ولم يلتــــــفت بالبغــــــــض يـــوما لمبغض
 ولم يخــــــــف مكرا للمصـــــر على المكر
ولم ينتـــــــقم ممــــــــن تفـــــــــوه بالأسى
 ولم يدر عمـــــــــن مات بالغـــــيظ والقهر
على أنه كالطـــــــــود لم يكتــــــــــــرث لما
 يــــــراه من الأهـــــــوال في مدة العـــــمر

ثم توالت بعدها رسائل الاسترحام والاستعطاف التي تصف شدة الشوق إلى ينبع وحسرته على فراقها وليت شعرى ماالذي أخفى هذه المشاعر أحد عشر عاما
من هنا ندرك أن سر تجاهل الأمير لرسائله وعدم الموافقة على رجوعه .إما لأنه أدرك أنه ضالع في الوشاية به أو أنه غاضب عليه لأنه لم يعد سريعا بعد الاطمئنان على أهله كما ادعى أو أنه اكتشف فيه صفة عدم الوفاء لانقطاعه عن التواصل معه طيلة هذه الفترة
بينما عادت علاقة الصداقة بعد هذه الفترة بينه وبين إبن والي ينبع زارع أفندي وكانت بينهما رسائل شعر متبادله ولكنها لم تصل بزارع إلى الجرأة على أن يتوسط له عند والده رغم طلب الشاعر وإلحاحه في ذلك

الاحتمال الثاني / الغزل السافر

ينبع مدينة صغيرة وأهلها محافظون وقد لا يتقبلون بعض الغزل المباشر الذي كان يبثه الشاعر في قصائده ويتعرض فيه إلى وصف الحسان وشوقه إليهن

وكم فيــــه من خـــــود ضـــــياء جبينها
 إذا ما بدا بالليــــــــل يغــــني عن البدر
أيا عــــرب وادي  " ينبع البحر " إنني 
على عهـــــــدكم باق مدى العمر والدهر
ملكـــــتم فــــؤادي مذ سكــــــنتم ببـــيته
 وأدخــــــلتم وجـــــدي وأخرجتم صبري
نأيـــــتم ولا زلتـــــم مقيمــين في الحشا
وبنتـــــم وما بنتـــــم عن البــــال والفكر
أما وظــــــباء في ريـــــاض ديــــــــاركم 
يميسون كالأغصـــــان في الحلل الخضر

أو

شوقي إلى "القاد " في الأحشــاء يوقد من
 نار اشـــــتياقي إلى " منجـــــارة " العرب
ومهجتي في رصـــيف " البنط " ما برحت
 رهـــــينة لم تحـــــــل عنــــــــــه ولم تغب
وصورة " الصور " في الأحشــاء صورها
 قلـــــبي و " حـــلة عبس " غـــاية الطلب
وفي " الخـــــريق " فــؤادي ضاع وآسفي
 على الخـــــريق بــــــذاك الحي في لهــــب

أو

             واختر من البــلدان فيه" ينبعًا "
                             فملاعــــــــب الغـزلان في واديه
              بلد إذا ما رمـــــت وصف ملاحه
                            حدث بما قد شـــــــئت عن أهليه
               إذ لو توارت عنه شــمس نهاره
                             أضحـت وجــــــوه مـلاحه تغنيه
               كم فيه من ظـــــــــبي كحيل نافر
                            أحـوى حــــوى الدر الثمين بفيه
                أو شمس حسن بالهلال تدملجت
                            وبدت كـبــــــــرد في سماء التيه
               وغدت تجــــــر ذيول حلة أطلس 
                            حمرا كوجــنتها لدى التـشـــــبيه
                رقت لطـــــــافة جسمها حتى ولو
                               مر النســــــيم بخــــــــدها يدميه
                 يهوى زيارتــــــها منــــاما صبها 
                             فيرى عقـــــارب صـــدغها تؤذيه
                 ولكم محــــــــب فيه أمسى حـائرا
                               لم يلـــق مأوى في الحمى يأويه
                  إن لم يصـــــب فيه بطـعنة فارس
                              فلرب طــــــعنة مقــــــــلة ترميه
                 أمسى بها طــــــــورا هناك تميته
                              نار الغــــــــرام وتارة تحـــــــييه
                 حتى إذا لم يســــــــقه مــاء الحيا
                              فدموع أربــــــــاب الهوى تسقيه
                  يهوى المحـــــب بأن يبــاع لأهله
                               بالبخــــــس لكن أين من يشـريه

                 حرم به حجـت قلوب ذوي الهوى
                               ولديــــــه أحـــــرم كل من يأتـيه
                 ما حـــــل فيه محــــرم بصــــبابة
                              إلا وطـــــــاف بكــــــــل بيت فيه

هذا الغزل المباشر في الأنثى لم يتعود عليه سكان ينبع بل أنه يعتبر أمرا معيبا في حق من يقوله أو حق من يقال فيه وكان التعبير عن الجمال والحب موجها للقيمة الجمالية المطلقة منفصلة عن الحالة أما الأنثى فإنه لا يمكن الإشارة إليها لا تصريحا ولا تلميحا .
ومما يزيد الطين بلة أن يذكر الشاعر اسم الحارة التي فيها من يحبه في بلد ما زال رجاله  يضعون  للحارة قيمة اعتبارية ويغارون  عليها غيرة شديدة

لي فـــــــؤاد فيـــــــه قد غـــــــــــادرته
 ضــــــــاع مني بيــــن أيدي الظــبيات
يا أهيـــــل " الصور " و" القاد " ويا
 عــــرب وادي " ينبـع " وادي المهاة
من لقـــــلب ضـــــــاع في ينبــــــــــعكم
 منبــــــع الحســـــــن ودار الحســـنات
قـــد أخــــــذتم نحـــــــوكم قــــــــــــلبي
فمــــــا  ضــــر لو ألحقــــتموه الكليات
ويـــــح قلــــــبي هــــــل له في حيـــكم
 ملجـــــــأ يرجــــــو به مـــــاء الحيــاة
حــــــل في " حــــلة عبس " أم غــــدا
في بيوت " الصــــور " مأسور البنات
أو لنحــــو " القـــــاد " من جور الظبا 
راح منقـــــــادا لأســـــــباب الوفـــــــاة

وقد يقول قائل أن هذه الغزل المباشر لم يقله الشاعر إلا بعد أن غادر ينبع .. ربما ولكن ربما أيضا أن هناك شعرا غيره قيل ولكنه لم يبلغنا .. وقد يكون أسوأ .. فنحن لم يصلنا شئ من شعره في الفترة التي كان فيها في ينبع إلا أربع قصائد لا تتجاوز كل منهما ستة أبيات واحدة يهنئ فيها إبراهيم باشا عواد على الانتقال إلى داره الجديدة والثلاث الأخريات تهان بمناسبات الأعياد

الاحتمال الثالث / التعريض ببعض الشخصيات

وهذا التعريض يأتي غالبا من باب المزاح والمداعبة ولكن المزاح مع علية القوم لا ينبغي أن يصل إلى درجة رفع الكلفة معهم والتعدي عليهم ببعض الألفاظ ولا بد لمن يغشى مجالس مثل هؤلاء القوم أن يعرف حدوده وأن يضع له حدا فاصلا لا يتجاوزه
ويبدو أن شاعرنا غفر الله له يخرج عن هذا الخط أحيانا فمن قصيدة بعثها إلى العالم الأديب محمود لافي يقول فيها

عهـــــــــدتـك حافـــــــــظـا ودي ولـكـــــن
أراك أخــــــــــذت عنـي فـي انحــــــــراف
لقد أنســــــــــاك أكــــــل الحــــــوت ودي
وأكــــــل التمــــــــر علــــــمـك التجـــافـي

وهو كلام لا يليق بحق عالم وأديب كابن لافي أو القصيدة التي يقول فيها

وقد قيــــــل هــــــــلا اكتفــــــــيتـم بمـا
رزقــــــــتم فقــــــالوا وهـــل من مزيـد
فلا غـــــــرو أن أكلـــــــــــوا نخــــــلـة
ومالــــــــوا لأكـــــــل النــوى والجريـد
أؤلئــــــــك قــــــــوم إذا أبـصــــــــــروا
صحـــــــافا من الــــــــرز أومن ثـــريـد
ترى كلبـــــــهم عنـــــــــدهـا باســـــطـا
ذراعــــــــيه حــــــــرصا ببـاب الوصيد

أو ثالثة الأثافي القصيدة التي يعرض بها بالأستاذ محمد مصطفى الخطيب وهو من الأعلام والشخصيات الاعتبارية في ينبع والتعريض به ولو على سبيل المزاح لا ينبغي بأي حال من الأحوال

   رجــــل فقـــــــيه فاضـــــل                 فطــــن ومفضــــــال أديب
   مــــا إن تــــرى لصــــديقه               في الأكل عنــده من نصيب
   قـــــل مــــا تشــــــا فيه إذا               طــــلب العشــا قبل المغيب
   فهنــــاك عقــــل خطيــــبكم               عن كـــــل دائـــــــرة يغيب
   ومــن العجـــــــائب أنـــــه                 يصــــبو إلى القد الرطيب
   أكــــــرم بــــــــه إذ أنــــــه               أهــــــدى لنا شـــايا غريب
   ما قــــر في جـــوف امرئ                إلا وعـــــالجـــه الطـــبيب
   قـــــــولوا لــه إن رمت أن                تحـــــظى بعيــش يستطيب
   فاجعـــــل شـــرابك حامضا                أولى من اللبـــــن الحـليب
   أو قهــــــوة البـــــــن التي                في الدمس طال بها اللهيب

مزاح سخيف مع رجل مفضال وأمثلة أخرى مع أناس آخرين يبدو أنه استمرأ معهم هذا اللون من الدعابه دون أن يفطن إلى أن مثل هؤلاء القوم لا يستسيغونها

هذه الاحتمالات الثلاثة استنبطتها من بين ثنايا قصائده قد يكون أحدها أو كلها سببا في إبعاد الشاعر عن ينبع ومنعه من العودة إليها .. إذ أنه لا يتصور المرء الذي يقرأ هذه الأشعار السلسة الممتلئة بالعواطف الجياشة والمشاعر الصادقة والاستعطاف والاسترحام والوساطات المتكررة ثم لا يستجيب لرغبة الشاعر إلا رجل عرف عن الشاعر أمورا تخفى علينا 

في الفصل القادم  نهاية البحث
  
مهما يكن من أمر هذه الانطباعات فإنها لا تقلل من شأن شاعرنا الكبير حسن عبد الرحيم القفطي ولا تنقص من مكانته في نفوسنا ولا ما نضمره له من حب في قلوبنا .. بل أننا نحمد الله على أن الأمير إبراهيم باشا عواد أمر بطرده أو أنه لم يسمح بعودته فهذه الحادثة هي حجر الزاوية في مسيرة شاعرنا وهي التي فجرت الإبداع فلولاها لما اضطرمت في صدره نيران الأشواق ولا تحركت لواعج الفراق ولما سمعتا بهذه القصائد الصادقة في عاطفتها القوية في سبكها المتينة في حبكها .

هذه القصائد التي أصبحت فيما بعد تاريخا موثقا لتراث ينبع وثقافتها وعاداتها وتقاليدها وأماكنها ومنجما غنيا لكل بحث تأريخي لم نكن لنسمع بها لولا حادثة الطرد التي صهرت المشاعر وفجرت مكامن الإبداع وكونت من الشاعر نابغة جديدا .. وهناك وجه شبه لا يخفى بينه وبين الشاعر العربي الكبير النابغة الذبياني الذي لم نكن لنسمع بشعره لولا غضب النعمان بن المنذر عليه وطرده وإهدار دمه عتدها فقط نبغ النابغة وسمعنا بشعره وأخذنا نتابع معاذيره ونستمتع بما يقول مما دفعه الخوف لقوله حتى حق عليه عبارة :

" الشعراء أربعة أمرؤ القيس إذا ركب ، وزهير إذا رغب ، والأعشى إذا طرب والنابغة إذا رهب "

وتأمل معي جمال الاعتذار في هذه القصيدة للنابغة موجهة للنعمان بن المنذر ملك الحيرة :

   أتـــــاني أبيت اللعن أنك لمتني      وتلك التي أهتـــم منهــا وأنصب
   فبت كأن العــــائدات فرشن لي      هــراسا به يعلو فراشي ويقشب
   حـــــلفت فلم أترك لنفسك ريبة      وليس وراء الله للمــــرء مذهب
   لئن كنت قد بلغــت عني خيانة      لمبلغـــــك الواشي أغش وأكـذب
   ولكنني كنــــــت امرأ لي جانب      من الأرض فيه مستراد ومذهب
   ملوك وإخــــــوان إذا ما أتيتهم      أحــــكم في أموالـــهم وأقــــرب
   كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم      فلم تـــرهم في شــكر ذلك أذنبوا
   فلا تتــــــركني بالوعيــد كأنني      إلى الناس مطلي به القار أجرب
   ألم تر أن الله أعطـــــاك سورة      ترى كــــل ملك دونــــها يتذبذب
   فإنـــك شمس والملـوك كواكب      إذا طـــــلعت لم يبد منهن كوكب
   ولست بمســـتبق أخـــا لا تلمه      على شـــعث أي الرجال المهذب
   فإن أك مظلـــوما ؛ فعبد ظلمته      وإن تك ذا عتــبى فمثـــلك يعتب

وقارنها بما شئت مما كان يوجهه شاعرنا القفطي لأمير ينبع إبراهيم عواد باشا وستجد أننا أصبحنا نقرأ له بعد هذه الحادثة شعرا ناضجا صادقا حارا ملتهبا يحرك المشاعر ويهيج الأشجان ولو نقلت لكم نصوص القفطي قبل حادثة الطرد ونصوصه بعدها لأدركتم الفرق الواضح والبون الشاسع بين المرحلتين كان قبل حالة الطرد مقلا وكان أكثر شعره في الأزجال والمواويل أما بعدها فقد قدم لنا شعرا جميلا راقيا

ومما لا شك فيه أن من حظ ينبع أن تحصل للشاعر هذه الحادثة حتى نحظى بهذا التوثيق الدقيق للناس وللمواضع وللشخصيات وإنني والله لا أعرف شاعرا لا سابقا ولا حاليا قدم لينبع مثلما قدمه القفطي

ونحن عندما نغوص في شخصيته ونسبر أغوار نفسيته فإن دافعنا إلى ذلك الحب الذي استوطن قلوبنا والإعجاب بما تركه لنا وهذا هو الباقي والخالد في ذاكرة الزمن كما أشار إلى ذلك سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. أما هو فلم يبق له إلا الدعاء بالرحمة والمغفرة

وليت شعري أين ابنتاه الآن خديجة وربيعة ؟ في أي بيت شبا وعلى أي أرض استقرا ؟ ومن تزوجهما ؟ ومن أولادهما وأحفادهما ؟ أعتقد أن ذريتهما في ينبع ولكن من يعرفهم ؟
ولقد سألت عنهما أخي الأستاذ أحمد زين الدين وأفاد بانهم لا يعرفون من أمرهما شيئا .









وفي ختام هذه الانطباعات لا أملك إلا أن أجدد الدعوة لتكريمه إما بتسمية شارع باسمه أو بتسمية موضع من المواضع التي ذكرها والقريب إلى ذهني الآن ( سوق الليل ) الذي قامت الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاون مع لجنة أصدقاء التراث بإعادة تأهيله كيف لا وهو الموضع الذي كان يهوى مشاهدته ويرتاح لرؤيته ويردد دائما

أهـــــــوى الوقـــــــوف لدى " باب الحــديد "

 لكي  أرى مصابيح " سوق الليل " كالشهب



وفي الختام أسأل الله له المغفرة والرحمة إنه سميع مجيب

تم البحث والحمد لله رب العالمين



أحمد محمد ظاهرالجهني
ينبع البحر  ـ  1430هـ