والحديث عن الأستاذة نوال حادي يجرني بالضرورة إلى الحديث عن البداية .. كيف بدأ الترتيب لتشغيل سوق الليل بينبع وكيف أخبرنا رئيس لجنة اصدقاء التراث الأستاذ أبو سفيان عما تمخض عنه الاجتماع الذي عقد برئاسة سعادة محافظ ينبع وأوكل فيه إلى لجنة اصدقاء التراث مهمة تأهيل السوق وإكمال تجهيزه استعدادا لحفل الافتتاح والزيارة المرتقبة لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان وصاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن ماجد
ولكن ماكاد أبو سفيان يبلغنا الخبر حتى تم استدعاؤه لحضور الاجتماع التأسيسي لجمعية المحافظة على التراث في الرياض ولم تفلح كل الأعذار التي قدمها للسماح له بالتخلف عن حضور الاجتماع
سافر أبو سفيان وفكره مشغول بما سوف نعمله في غيابه.. أعطاني قبل أن يسافر مفاتيح السوق ومخططا تفصيليا للدكاكين واسم صاحب كل دكان وقال لي أما هذا القسم فهو مخصص للنساء وسيشرف عليه الأسٍتاذ إبراهيم بدوي ! سبحان الله ـ نساء في سوق الليل ! لم أسمع بهذا من قبل بيد أنني عدت وتذكرت ( أم سعيّد ) رحمها الله المرأة الوحيدة التي كنا نراها في السوق تبيع وتشتري وتتحدث مع الرجال وبعض البنات اللواتي يبعن الخرائط على أصحاب الدكاكين (الخرائط أكياس تصنعها البنات في البيوت من قصاصات القماش وتعد لحمل الأغراض كاستعمال أكياس النايلون الآن ) .. وطالما أنه ظهر في الحفيدات من يقمن بمثل هذا العمل الآن فما المانع ؟
المهم أن أبا سفيان طلب مني متابعة ذلك ولم يكتف بهذا بل أخذ يتصل بنفسه على أصحاب الدكاكين وهو في الرياض ويحثهم على نقل الأغراض ثم يتصل بي ويخبرني بما تم ويطلب مني متابعة بعض التكليفات من نظافة السوق وتغسيله وفتحه وإغلاقه واللوحات الترحيبية وما يعمله الحداد والنجار والخطاط وعبد الجليل !! إلى آخر القائمة الطويلة .. والحقيقة أن العمل مع أبو سفيان مريح وهو حاضر متعب وهو غائب ..عندما يكون حاضرا لا نشعر بأي جهد فهو يقوم بجميع الأعمال وحيدا أما في غيابه فالأمر مختلف والاتصالات تكر على مدار الساعة يريد أن يطمئن على كل شئ وأن يعرف أدق التفاصيل وكنت أظن أنه يخصني وحدي بكل التكليفات بما جعلني أغير في برنامجي اليومي وفي مواعيد صحوي ونومي إلى أن سألت زميلي الدكتور محمد سالم البلوي والأستاذ محمد عباس فوجدت أنهما أيضا يكلفان بمثل ما أكلف به إن لم يكن أكثر
إذن هو هاجس الكمال الذي ينشده رئيس لجنة التراث .. قلت له ذات اتصال اطمئن واهتم بما أنت مقدم عليه فالأمور هنا تسير على ما يرام ، وأنا أعرف أنه لا ينقصه الاهتمام بما هو مقدم عليه ولكني أريد أن يخف علينا قليلا فنحظى ببعض الوقت المستقطع على طريقة أهل الكرة .
أصحاب المحلات أتعبونا كثيرا في الحضور وفي نقل الأغراض فكنا نكلم الواحد منهم ثم نعيد عليه الطلب ثم نكلم ونعيد حتى خشينا أن يدركنا الوقت ويعود أبو سفيان دون أن نعمل شيئا فالسوق جاهز ونظيف ولكن نقل الأغراض وترتيبها مسؤولية صاحب كل دكان
وكان بعضهم يتقاعس عن ذلك !
وكان بعضهم يتقاعس عن ذلك !
أما النساء فقد جئن متأخرات قبيل الافتتاح بيوم وضربن بيننا وبينهن بحاجز من مشمع أزرق فانفصلن عنا وانفصلنا عنهن وصرنا لا نعلم عما يدور في قسمهن شيئا وحمدت الله على ذلك فقد كفيننا مؤونة متابعتهن إضافة إلى أن الأستاذ أبو سفيان قد حضر في نفس اليوم بعد المغرب وآن لنا بعد حضوره أن نريح ونستريح
جاء أبو سفيان مباشرة من المطار إلى المقر و ذهبنا معا إلى مقر الاحتفال وشاهدنا البروفة الأخيرة التي أجريت بحضور المحافظ وعدنا لإغلاق سوق الليل بعد العشاء وإذا بالنساء لم ينتهين بعد فلبثت قليلا ثم استأذنت من أبي سفيان وذهبت وعرفت فيما بعد أنهن مكثن هناك إلى منتصف الليل
وفي صباح اليوم التالي المعد للاحتفال بقي الحاجز مضروبا كما كان وظل ما تم عمله بواسطة النساء محجوبا عنا حتى أزيح الستار عنه قبيل وصول الأميرين بلحظات
عندما أزيح الحاجز كان المنظر مدهشا ومخالفا لكل ما تنبأنا به .. وجدنا ستة محلات مليئة بشتى صنوف المعروضات التراثية من أعمال يدوية ومنسوجات ومأكولات وملابس وتجهيزات ومكيفات قد ركبت.. تخيلوا ! إلى جانب برنامج متكامل قدمه مجموعة من الطالبات المدربات تدريبا متقنا يحوي قصائد وأناشيد واستقبال باهر بالورود وبعض المأكولات الخفيفة وترتيب وتنسيق رائع للمعروضات حاز على رضا الأميرين وإعجاب الزائرين وأخذ الأميران يسألان الطالبات عن البرنامج وعن القصيدة وعن المعروضات وطلبا أن تلتقط لهما الصور التذكارية مع هذه الكوكبة من البراعم المتفتحة .. في اهتمام لم يحظ قسم الرجال ومعروضاتهم بعشر ما حصلوا عليه ولا غرابة في هذا فالجيد يفرض نفسه والعمل المتواصل بجد وإخلاص يكسب صاحبه الحمد والثناء أما تأدية الواجب بكيفما اتفق فستقابل بتأدية واجب مثلها .
ولكن متى تم هذا ؟ وكيف تم توزيع العمل بهذه الدقة ؟ كما عرفنا أن بعض هؤلاء النسوة قد جئن من العيص ليشاركن في العمل بهذا النشاط وبهذه الهمة
هل تريدون أن أضع لكم مقارنة بين قسم وقسم أو بين ظرف وظرف أو بين رجل وامرأة .. لا .. فالمقارنة مخجلة لأبناء جنسي ولكني أقول سامح الله كل من يسعى لتعطيل هذا النصف المنتج من المجتمع والذي يخيل إلي أن وراء تعطيله رجلا يخشى المنافسة !
نعود إلى الأستاذة نوال حادي مديرة مركز سيدات الأعمال بالغرفة التجارية مخرجة العمل وصانعة النجاح .. لازمت العاملات طيلة وجودهن لم تبرح مكانها للحظة يدها بيدهن وقلبها معهن وجهودها مسخرة لتذليل كل صعب ينوء بتذليله الرجال أولو القوة حتى ظهر العمل كأجمل ما يكون الظهور .. والنجاح ليس غريبا عليها فقد عرفناها ورصدنا نجاحاتها التربوية عندما كانت تضطلع بأعباء الإشراف التربوي بإدارة التربية والتعليم ثم حينما انتقلت لتكون عونا لزوجها الأستاذ إبراهيم بدوي رئيس الغرفة التجارية الصناعية بينبع في تأسيس مركز سيدات الأعمال وما تبعه من إدارة المركز والمنتجات وتدريب العاملات وتبرعها السخي لبناء مقر لهذا المركز وجهودها في مهرجان ربيع ينبع 31 في نجاح متواصل عم أثره الجميع بما يدل على أن النجاح صفة ملازمة لها في أي مجال أو زمان أو مكان
وأعترف أنني في هذه العجالة لا أسٍتطيع أن أفيها كل حقها من الإشادة والذكر ولكني قد أعود يوما ما لإكمال ما بدأته عنها إن شاء الله أما الآن فحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق .. وإذا كان وراء كل عظيم إمرأة فإن وراء كل عظيمة رجلا.. وهذا التكامل بينهما نسأل الله أن يديمه وأن يكون خيره لصالح البلاد والعباد وأن يحفظ الله أولادهما من كل سوء
كما لا يفوتني أن أشكر المتعاونات والطالبات وكم كنت أتمنى لو نقشت أسماؤهن بحروف من ذهب في سجل تأريخ هذا الحدث الرائد فإنهن جديرات بذلك